القائمة الوطنية الحزبية خطوة لتهيئة الأرضية للبرلمانات الحزبية والعمل البرامجي

جفرا نيوز- كتب عمر المحارمة

جدلية تنمية الحياة السياسية والتدرج بالخطوات للوصول إلى حكومات برلمانية تكاد تكون في سياق دورتها شبيهة بجدلية «البيضة والدجاجة»، من سبق من ومن ينتج الآخر.

فبين فريق يرى أن قانون الانتخاب هو الضمانة الأساسية لإنتاج أحزاب برامجية قادرة على الصمود وتشكيل التيارات داخل البرلمان، إلى فريق يرى أن منح الأحزاب حصة واضحة في مقاعد البرلمان يتطلب أولا نهوض الأحزاب بنفسها وتشكيل قواعدها ووضع أطر تضمن صمودها واستمرارها، لتستمر جدلية من يسبق: قانون أحزاب يسهم في تشكل الأحزاب القوية ويساعد في وصول الحزبيين إلى البرلمان أم نظام انتخابي يشجع الحياة الحزبية ويضمن وصول الحزبيين إلى البرلمان.

الفريق الأول يذهب إلى أن قانون الانتخاب يجب أن يكون محفزا على الانضواء في الأحزاب، ومشجعا على المشاركة في النشاطات الحزبية والانتماء لها وتبني برامجها، حيث يرى هذا الفريق أنه ودون قانون انتخاب يشجع على الانتماء الحزبي لن تقوم للأحزاب قائمة.

ويحمل منطق أصحاب هذه الرؤية الكثير من الرجاحة، فأي صاحب طموح سياسي وراغب بالمشاركة في الحياة السياسية سيبحث عن القاعدة التي قد تمكنه من تحقيق طموحه هذا، فإن كانت القاعدة الحزبية والانتماء لها ستحقق له هذا الطموح فسيكون ذلك مشجعا له ولأنصاره على التنظيم الحزبي، فيما ستبقى القاعدة الاجتماعية هي القاعدة التي يلجأ اليها السياسيون لضمان نجاح مساعيهم في المشاركة بالحياة العامة إن لم تقدم لهم الأحزاب هذه الفرصة. كما أن منح الأحزاب حصة واضحة من مقاعد البرلمان –وإن كان بشكل نسبي في البداية- هو أحد ضمانات تعزيز الهوية الوطنية الجامعة، والابتعاد عن الهويات الفرعية، حيث ستكون مثل هذه الحصة واحدة من مدخلات تعزيز اللُحمة الوطنية عبر التواصل والتشبيك بين القواعد الشعبية الانتخابية في مناطق مختلفة من المملكة.

فأية قائمة وطنية ستفرض في واحدة من شروطها أن يشارك بها مرشحون من محافظات مختلفة، وهذا سيدفع إلى التواصل ما بين مرشحي القائمة والقواعد الشعبية في محافظات أخرى، قد لا يكون المرشحون على اطلاع على مشكلاتها وتحدياتها أو حتى على تركيبتها الاجتماعية، وبالتالي سينتج الحراك الانتخابي تفاعلا حميدا بين مرشحي المحافظات والقواعد الانتخابية خارج مدنهم ومحافظاتهم.  ومعلوم أن الأنظمة التي تعتمد استخدام نظام الدوائر الانتخابية تشجع المرشحين الأفراد لاعتبار  أنفسهم ممثلين لمناطق جغرافية محددة، ويحرصون على رعاية مصالح دائرتهم الانتخابية، فيما تعمل النظم الانتخابية التي تعتمد القوائم الوطنية على إفراز ممثلين ولاؤهم الأول ينصب مع حزبهم على القضايا الوطنية، ويحاولون تبني قضايا ومطالب كافة المناطق وليس منطقة جغرافية محددة. 

كما يدفع النظام الانتخابي الذي يعتمد نظام القوائم الأحزاب نحو تطوير أهدافها وبرامجها لتكون مقنعة ومنفتحة تخدم الأهداف العليا للأمة وتعمل على بناء حضارة تمثل عقيدة الأمة وفكرها وفلسفتها الحياتية، ليكون العمل الحزبي إصلاحيا يعمل على بناء الصورة الوطنية الحقيقية ويجعل التنافس بين الناس في البذل والعطاء والانجاز.

على الجانب الآخر يبدي البعض تخوفات أو تحفظات مشروعة على فكرة القائمة الوطنية أو القائمة الحزبية، حيث يراها البعض شكلا آخر من أشكال «الكوتا»، التي يتم منحها لمكونات غير موجودة بشكل فعلي على الأرض، ويتساءل هذا الفريق عن جدوى منح «كوتا» لأحزاب غير موجودة في الأوساط الشعبية والاجتماعية.

وتذهب اعتراضات البعض إلى أبعد من ذلك حين يرون أن القائمة الحزبية تستهدف الحضور العشائري تحت قبة البرلمان، وأنها ستخدم مكونات اجتماعية محددة على حساب المكون العشائري.

هذه الحجة تبدو واهية إلى حد كبير لعدة أسباب، أهمها أن التنظيم الحزبي ليس مقصورا على مكون اجتماعي دون آخر، كما أن القائمة الحزبية في حال إقرارها ستشترط وفق العديد من أعضاء اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، أن تتشكل القوائم الحزبية من خمس محافظات على الأقل وهو ما يدفع بقوة شبهة تمثيل مكونات محددة واستبعاد أخرى.

ثم أن التجربة الحزبية الأردنية ومنذ عهد الإمارة أثبتت اعتمادها أو تحالفها المطلق مع التركيبة الاجتماعية في الأردن، وحاليا وعلى أرض الواقع يظهر بشكل جلي التحالف الاجتماعي مع الحزبي، فرغم ضعف الأحزاب لدينا هذه الفترة إلا أن قياداتها المعروفة هم في الغالب من أبناء العشائر الذين يعتمدون على قواعدهم الاجتماعية لتعزيز حضورهم الحزبي.

وتاريخيا كانت الأحزاب الأردنية تعتمد على المكونات الاجتماعية لدعم رؤاها ومشاريعها، فالعودة مثلا إلى بدايات الحراك السياسي في الأردن يكشف بجلاء كيف تفاعلت العشائر الأردنية في عشرينيات القرن الماضي مع الدعوات الحزبية لمناهضة الاتفاقية البريطانية عام 1928، التي قاد جهود مناهضتها الراحل حسين الطراونة الذي كان على رأس حزب المؤتمر الوطني.

والحياة الحزبية عند الأردنيين ليست حديثة عهد ،فقد بدأت قبل إعلان تأسيس إمارة شرق الأردن ففي عام1919بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وافتضاح أمر اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور، انتظم بعض الأردنيين في حزب الاستقلال السوري، وعندما أنشئت إمارة شرقي الأردن،تم تأسيس فرع لهذا الحزب في الأردن، وشارك بعض أعضائه في أول حكومة أردنية عام 1921.

ثم توالى بعد ذلك تأسيس الأحزاب السياسية في الأردن مثل حزب الشعب الأردني عام 1927،وهو أول حزب أردني دعا إلى تكوين مجلس نيابي منتخب وحكومة مسؤولة أمامه ، كما كان من الداعين إلى عقد المؤتمر الوطني الأول عام 1928، لأجل مناهضة المعاهدة الأردنية البريطانية، حيث أعلن المؤتمرون ميثاقا وطنيا، تضمن مجموعة من المبادىء، التي تطالب بالاستقلال التام للأردن، وبالرفض القاطع لتلك المعاهدة التي تنتقص من استقلال البلاد ، ثم جاء من بعده حزب اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني بزعامة حسين الطراونة عام 1929، الذي كان في طليعة أهدافه، تنفيذ مبادئ الميثاق الوطني، وهو أكثر الأحزاب الأردنية مقاومة للانتداب البريطاني وللحركة الصهيونية آنذاك ، ثم تلاه حزب التضامن الأردني 1933 ،وحزب الإخاء الأردني عام 1937 والحزب القومي الاجتماعي عام1938، ثم توالت عمليات ظهور الأحزاب السياسية ، وظهرت حركة الإخوان المسلمين عام 1943 وأعترف بها رسميا عام 1946 ، ثم الحزب العربي الأردني / الجبهة الوطنية 1946،وحزب الشعب الأردني1947،والحزب الشيوعي الأردني 1951 وحزب التحرير 1952 وحركة القوميين العرب 1952، والحزب الوطني الاشتراكي 1954 الذي شكل ما سمي آنذاك بالحكومة الوطنية عام 1956 برئاسة سليمان النابلسي ، ثم جاء بعد ذلك حزب البعث العربي الاشتراكي في آب من عام 1955، وقد صدر أول قانون للأحزاب في الأردن عام 1956.

إذا الطعن بفكرة القائمة الحزبية، لا يستند إلى منطق سياسي قويم، والتخوفات المثارة حول هذه القائمة تنتقص حقيقةً من وعي الأردنيين وثقافتهم وقدرتهم على فرز قيادات سياسية وحزبية قادرة على حماية مصالح الدولة وحماية هويتها وطابعها الثقافي والاجتماعي.

وليس من المبالغة القول أن معارضة فكرة القائمة الحزبية يأتي من فريق «يعارض كل شيء تقريبا»، ويحاول جاهدا الحفاظ على الوضع القائم ويقاوم أي جهود للتغيير، وهو جزء من قوى الشد العكسي التي تدافع عن مراكز نفوذها الحالية حماية لمصالحها الذاتية، بإثارة مخاوف اجتماعية وإظهار أي تغيير على أنه مؤامرة لها غايتها السياسية وأجنداتها الخارجية.

لا بد من الاعتراف أن الحياة الحزبية في الأردن تراجعت خلال العقود الأخيرة، وهي ليست بأفضل حالاتها ولا يبدو حتى أنها مؤهلة بشكلها الحالي لتشكيل برلمان حزبي، يكون قوامه من الكتل الحزبية البرامجية التي تفضي بالنهاية إلى تشكيل حكومات أغلبية برلمانية، لكن هذا الواقع يجب أن لا يكون حجة لتعطيل الخطوة التي تستعد اللجنة الملكية لاتخاذها بإقرار قائمة حزبية في قانون الانتخاب، بل هو من موجبات الدفع نحو هذه الخطوة والمطالبة بأن تكون جريئة وقادرة على التأثير بالحياة السياسية وتعطي الأحزاب دفعة قوية نحو تطوير نفسها وتوسيع قواعدها.

اللجنة الملكية بالطبع تدرك واقع الأحزاب في الأردن ولهذا كان حديث رئيس اللجنة عن مرحلة انتقالية ستسبق الوصول إلى برلمانات حزبية، فحديثه هذا لا يعني أن هناك قرارا بتحديد مدة زمنية، قد تطول أو تقصر عن المدة التي تحدث عنها، لكن حديثه هذا من متطلبات تكيف الناس الطبيعي مع التغيير، ومرحلة لا بد منها لتعيد الأحزاب حساباتها وتراجع مواقع تموضعها للولوج إلى الحياة السياسية الجديدة، وبناء تحالفاتها، وإقناع المجتمع بقدراتها لكسب قواعد انتخابية تضمن لها الوصول إلى قبة البرلمان.