الباص السريع.. سيء السمعة وسيء الحظ أيضا
نعم هو مشروع تعثر تنفيذه عدة سنوات، بل يمكن القول إنه لم تتوفر إرادة حقيقية للتنفيذ طيلة السنوات الثماني الأولى منذ بدأ العمل بمساره في شارع الجامعة، حيث شاع في ذلك الوقت أن قرضا فرنسيا بقيمة 170 مليون دولار كان أحد شروط البدء بتنفيذ المشروع، فكانت البداية بهدف الحصول على القرض لا من أجل التنفيذ الفعلي للمشروع.
البداية الحقيقية لمشروع الباص سريع التردد قادها رئيس لجنة أمانة عمان الحالي الدكتور يوسف الشواربة، عندما تولى الموقع الأول في الأمانة في آب من العام 2017، حيث وضع الشواربة تطوير نظام نقل ومرور متكامل وعصري يلبي احتياجات سكان عمان وزائريها في الحركة والتنقل، كما يراعي الخصوصيات الاقتصادية والاجتماعية للمدينة كواحدة من الأهداف الإستراتيجية للأمانة في خطتها للأعوام (2018-2020).
تلك الإستراتيجية تضمنت أربعة محاور رئيسة هي: النقل العام، تطوير التشريعات، مشروع التحول الالكتروني، إيجاد ذراع استثمارية بالاعتماد على أصول الأمانة، وكانت رؤية الأمانة أن النقل العام لا يعني نقل الراكب من نقطة إلى نقطة بل كمشروع وطني استراتيجي تنموي يكون له انعكاس ايجابي على حياة المواطن بكل التفاصيل كونه يعتبر البوابة الكبيرة لخلق التنمية المستدامة من خلال تنمية أطراف المدينة لإيجاد فرص لنمو الاستثمار وخلق فرص عمل.
عمليا انطلقت الأعمال الحقيقية لهذا المشروع في العام 2018، بوتيرة كبيرة أحالت مدينة عمان إلى ورشة مفتوحة، في كافة المواقع التي تمر منها مسارات الباص سريع التردد، والذي انطلق بالتوازي معه مشروع آخر تنفذه وزارة الأشغال العامة تحت ذات المسمى «مشروع الباص سريع التردد عمان-الزرقاء»، لتتشكل منظومة متكاملة تربط في مراحلها الأولى أحياء مدينة عمان ومناطقها ببعضها البعض، وتربط العاصمة بمحافظة الزرقاء واعتمادا على نتائج التجربة سيتم وضع الخطط المستقبلية لربط بقية مناطق عمان والمحافظات القريبة الأخرى وعلى رأسها محافظتا البلقاء ومادبا.
رئيس لجنة الأمانة الدكتور يوسف الشواربة تحلى برباطة جأش عالية وإصرار كبير وهو يواجه الكم الهائل من حملات النقد والسوداوية على الرغم من أن المنجزات كانت تتحدث عن نفسها على الأرض، فكم التقاطعات والجسور والأنفاق المنجزة خلال السنوات الأربع الأخيرة، بما فيها المرتبطة بمشروع الباص السريع، توازي تقريبا ما أنجزته أمانة عمان في ثلاثة عقود سابقة.
الشواربة انطلق للعمل بذهنية متقدة تستشرف المستقبل وتؤمن أن النقل العام ليس استثمارا لتحصيل مردود مالي بقدر ما هو خدمة تقدم للمواطن، ومتطلب تنموي يحفز المستثمرين لبناء منظومة استثمارية، باعتبار أن النقل العام هو المنظومة الحقيقية التي تشكل أهم رافعة للتنمية الشاملة. أمانة عمان أبلت بلاء حسنا خلال السنوات الأربع الماضية، وبذلت جهودا جبارة في هذا المشروع، بغية انجازه وإطلاقه لإضافة مكون جديد للعاصمة سيكون له أثر كبير في تحسين جودة الحياة في العاصمة، وخلق الفرص التنموية وإحداث اثر ثقافي واجتماعي كبير داخل عمان.
العاصمة عمان شهدت نموا متزايدا خلال العقد الماضي انعكس من خلال ازدياد أعداد السكان واتساع المساحات المبنية، وبطبيعة الحال تزايد حجم الحركة في المدينة وارتفاع أعداد المركبات وأحجام المرور وأعداد مستخدمي النقل العام؛ مما بدأ يؤثر سلبيا على قدرة المواطنين على الحركة بالإضافة إلى الكلف والآثار السلبية للازمات المرورية التي أصبحت ظاهرة عامة على شوارع عمان.
لا يسهم النقل العام سوى بـ 12% من حجم الحركة التي تشهدها شوارع العاصمة عمان، فيما تشكل المركبات الخاصة 88% من حجم المركبات التي تجوب الشوارع، و بات امتلاك مركبة خاصة من أولويات الحياة في ضوء ضعف نظام النقل العام، ما رتب اعباء اقتصادية إضافية على المواطنين توزع بين ثمن المركبة وكلف تشغيلها وصيانتها، وهي كلف يمكن الاستغناء عنها لو توفر للمواطنين نظام نقل، آمن، نظيف، مضبوط المواعيد والتردد.
هدف الوصول إلى منظومة نقل تلبي الاحتياجات التنموية والاقتصادية والاجتماعية، قد يكون بعيد المنال، لكن الوصول إليه بات أقرب مما كان عليه قبل أن تنفذ أمانة عمان مشروع الباص السريع، خصوصا أن البنية التحتية للباص السريع تمثل نحو 80% من البنية التحتية في حال تقرر الانتقال إلى استخدام القطار الداخلي «الترام» وهو أمر قد يشجع مستقبلا المستثمرين على تقديم العروض في هذا المجال.
ويوفر مخطط عمان المروري مسودة لتوجيه النمو والتغيرات في عمان ويدعم التطورات المستقبلية لعمان كمدينة رائدة في القرن 21 ويحدد السياسات والتطورات المقترحة التي من شأنها أن تحقق رؤية المدينة.
ويستند المخطط الشمولي للنقل والمرور على مخطط عمان ويوفر مجموعة من الأهداف والسياسات التي تضمن تطوير نظام نقل عام آمن للمواطنين من والى المدينة، كما أعدت الأمانة إستراتيجية قصيرة، متوسطة، وطويلة المدى مما يتطلب وجود رؤية واضحة لاستخدام وسائل النقل العام والسياسات الداعمة للنقل العام.
تفترض هذه الإستراتيجية أن وسائل النقل العام يجب أن تصمم من خلال توفير تسلسل هرمي من الخدمات عالية المستوى، بوجود مشاريع إستراتيجية تقدم من خلال القطار الخفيف أو حافلات عالية التردد، والمستوى الثاني من الإستراتيجية، هو تقديم خدمات حضرية من قبل الباصات الكبيرة والخدمات المغذية الأخرى التي تقدم من قبل الباصات الصغيرة و(السرفيس) لاستكمال خدمات النقل من الأحياء إلى المسارات الرئيسية.
مشروع الباص السريع هو أول نظام نقل سريع لمدينة عمّان وهو نظام نقل عام مرن ومتكامل يوفّر خدمة سريعة وآمنة وذات اعتمادية عالية، يعتمد على حافلات ذات سعة كبيرة تسير على مسارب مخصّصة وتقدم مستوى عاليا من الخدمات، إذ تسير بترددات تصل إلى 5 دقائق، كما يشمل النظام أيضاً محطات حديثة متكاملة، ويشكل تصميم الباص السريع جزءاً من شبكة نقل عام متكاملة وهرمية، فالمواطن الذي يريد الذهاب من منزله إلى مكان عمله قد تتطلب رحلته أكثر من واسطة نقل واحدة، ومن هنا فإنّه يتم إلى جانب تصميم نظام الباص السريع إعداد شبكة واسعة من الوسائط المغذيّة والتي ستكون على شكل حافلات عادية أو مركبات أصغر، والهدف من هذه الشبكة هو إيصال الركّاب إلى أقرب محطّة باص سريع وفي أسرع وقت وذلك للتقليل من فترة الانتظار ولتوفير خدمة سلسة ومريحة.
الباص السريع وفق ما هو مخطط له سيوفر 85 مليون كيلومتر من المسافات المقطوعة بالمركبات الخاصة و 12 مليون كيلومتر من المسافات المقطوعة بالتكسي؛ ما يعني الحد من الازدحام المروري، وتستطيع كل حافلة من حافلات الباص السريع استيعاب حوالي 150 راكبا اي ما يعادل حمولة 110 مركبات خاصة، كما ستكون فترة الانتظار بين الحافلة والأخرى في نظام الباص السريع 90 ثانية خلال أوقات الذروة.
الهجوم الذي يتعرض له هذا المشروع له ما يبرره –طول فترة التنفيذ- لكن أسهم النقد يجب أن لا تخطىء وجهتها، فمجلس الأمانة أو أمين عمان الذي حمل على عاتقه مسؤولية التنفيذ الفعلي للمشروع وأطلق ورش عمل مفتوحة في مختلف مناطق مدينة عمان، لمسابقة الوقت وإنهاء العمل في هذا المشروع، لا يستحق تلك الأسهم؛ فالمشروع انطلق قبل وصوله إلى موقعه بسنوات، وكل الذي قام به الأمين أنه امتلك الشجاعة لتعليق الجرس واحتمل كل هذه الأسهم بصدر رحب أملا بأن يتحقق حلم خلق نظام نقل عام يحترم آدمية ساكن عمان وزائرها ويوفر المتطلبات الأساسية لنظام النقل الناجح.