ساعة رئيس وزراء بخمسة وتسعين ألف دولار

جفرا نيوز - فايز الفايز

لا تذهبوا بعيداً، القضية ليست مادية ولا تعني رؤساءنا الأكارم، إنها ساعة رئيس الوزراء الأسبق للكيان الإسرائيلي «إتسحق رابين» الذي قٌتل على يد يهودي متطرف، والقصة كما نشرت، أن رابين حينما كان سفيراً للكيان في واشنطن اشترى ساعة «روليكس» من أحد المتاجر عام 1972، وبقيت الساعة شاهداً على تاريخ الرجل فيما بعد كوزير حتى انتهى الأمر به رئيساً للحكومة، وتلك الساعة باعها ابنه ريفال عبر مزاد علني، ليشتريها رجل أعمال إسرائيلي بضعف سعرها المعتاد كتحفة بلغ 95 الف دولار، المعنى ليس هنا بل الخبر يؤكد أن رابين كان يرتديها عندما وقع اتفاقية السلام مع الأردن 1994!

أين القيمة في الخبر؟ القيمة أن رابين بقي محافظاً على ساعته تلك طيلة حكمه من سفير إلى رئيس وزراء ثم عاد وزيراً للدفاع ثم عاد رئيساً مجدداً عام 1992 إلى أن قرر عقد اتفاقية وادي عربة مع الأردن حتى لحظة وفاته لاثنين وعشرين عاماً، لا ندري إن كان رابين يظنها فأل خير له، ولكن وريثه الابن بقي محافظاً عليها حتى جاءت ساعة البيع للساعة المميزة، أما من اشتراها فقد قال في بيانه الصحفي إنه اشترى الساعة بعد خمسين عاماً على أمل أن يتحقق السلام في المجتمع الإسرائيلي وبين جيرانهم العرب، وعلى طريقته قال: «سأبقى أعد الثواني"!

في زيارة لي ضمن وفود إعلامية لمبنى وزارة الخارجية الأميركية في واشنطن قبل سنوات، لم يُثرني أكثر من الحفاظ على الإرث للأواني الفضية والذهبية والهدايا المقدمة لوزراء الخارجية الأميركية منذ مئتي عام، فقد كانت محفوظة في خزائن عتيقة ومصنفة حسب مصادرها وأغلبها من إمبراطوريات ودول أوروبية وتحمل بطاقات تعريف لأسماء الهادي والمهدى له، ناهيك عن قطع الأثاث الذي يحمل رمزية التاريخ، ولكن النتيجة التي وصلت لها الولايات المتحدة وغالبية الدول المتحضرة فكرياً هي أن تلك هدايا دولة يجب أن تسجل باسم الوزارة التابع لها المسؤول، ومع مرور القرن الأول والثاني، تمكنا من معرفة إخلاص المسؤولين لدولتهم وعدم مدّ اليد على ما ليس لهم حق به، وهذا ما جعل أميركا تتربع على عرش العالم.

اليوم ونحن نسمع ونشاهد سيلاً من شهادات شهود التاريخ الذي لم يعرفوه إلا من بطون كتب التاريخ الحديث المليء بالتصحيف والتغيير ورفع شأن هذا وطمس تاريخ ذاك، وكيل المدائح لمن لا يستحق وضع اسمه على صفحات الورق، والتملق لشخوص لم تصنع أي فرق يمكن أن يشار له، ندرك سبب مصيبتنا الكبرى في ضياع الحق والحقيقة والإغماض عن حق العامة ومكافأة من لا يستحق بما لا يستحق، وإذا كان «رابين» بطل حرب وبطل سلام بالنسبة لهم، فإن غالبية شعوبنا لا يتذكرون رؤساء حكوماتهم قبل عشرة أعوام مضت، ولا زاروا متحفاً فيه هدايا قدمت للدولة.