الفوسفات ،ودائرة اللامعقول

جفرا نيوز - خاص - وسام عبد الله
في مرحلة الدراسة الثانوية ، راهقنا قليلا ، وبدانا نعبث بالتدخين إلى ان  فاجأنا ناظر  المدرسة ، ولاحظ وجود دخان كثيف في الغرفة ، وهددنا جميعا لمعرفة من اشعل السيجارة ، فنهض عريف الفصل  -الذي كان طالبا مثاليا  ولم يرتكب اي  ذنب- فقال " انا اشعلت السيجارة " .
 ولشدة لؤم البقية ، قلنا  جميعا بانه هو من اشعلها فعلا ! ونجونا من العقوبة لان الناظر لم يصدق ابدا رواية عريف الصف ، التي امنت لنا غطاء جيدا .
إن ما حدث في قضية الفوسفات لا يختلف عن ذلك كثيرا ، فبعد الصخب الكبير الذي اثير حولها ، فوجئنا باسم معروف البخيت يزج مرة اخرى في ملف لا علاقة له به سوى انه وقع على الاتفاقية في الشهر الاول من توليه فترة رئاسته الاولى للحكومة ، وكان الإعداد لها قد استغرق ثلاث سنوات من التفاوض مع الشركة ، ولم يكن منطقيا ان ينتظر البخيت  ثلاث سنوات اخرى لدراسة الملف والتفاوض عليه من جديد ، كون عمر  الحكومة لا يزيد عن سنة ، بالمعدل الطبيعي .
اما قرار لجنة  التحقيق النيابية  فكان ساذجا  ، إذ اوصى بتحويل البخيت وبضع وزراء في حكومته  للقضاء ، مع الحرص بعدم اعتبار ذلك اتهاما لهم ، رغم ان القانون يوكد على وجوب  ذكر اسباب  التحويل ،وتداعت المهزلة إلى ان اضطر رئيس الوزراء عون الخصاونة إلى توضيح  عدم ارتباط الاسماء المشار اليها بصلب القضية .
فما الذي حدث بالتحديد ، ولماذا الاصرار على زج اسم البخيت ما دام نقضه سهلا لهذه الدرجة ؟
في البداية لابد ان نعترف بان هنالك من ادار  هذا الملف بحرفية ،ونجح في  حرفه عن مساره ، وسط سذاجة النواب ، وتمكن من خلق نتيجة تربك الرأي العام  حين أدخله  في دائرة اللامعقول من خلال اقحام اسم البخيت في قضية الفوسفات ، ومن ثم  الدفع  بجزء من الحقيقة  لنفي  ذلك الافتراض ، بهدف  زعزعة  القضية واخفاء  المتورطين الحقيقيين ، وسط تلك الجلبة .
لقد تعرض مجلس النواب للخداع منذ البداية ، وتم التمهيد لذلك من قبل ، باعادة فتح قضية الكازينو ، وكذلك الامر بالنسبة لقصة سفر شاهين ، التي فتحت شهية النواب لرفع شعبيتهم قبل حل المجلس ، وجرى التلاعب باولويات مجلس النواب واتجاهاتهم الاصلاحية  وتركيزها في مسارات ضيقة تمهيدا لدفعها خارج المضمار .
ولا يمكنني التصديق بان المروءة  استيقظت في عون الخصاونة فجأة  ليدافع عن البخيت ، والتبرع باخلاء طرفه من قضية الفوسفات بمداخلته المفاجئة  في مجلس النواب ، بل هو مشهد ضروري لاكمال المسرحية ، ولاضعاف القضية برمتها ، وتاييدها ضد مجهول .
ولا بد من  الاشارة مرة اخرى إلى الاصرار على اعادة فتح ملف الكازينو والايحاء بوجود معلومات جديدة ، كشفها شارلوك هلومز ، ولم يتمكن النواب من كشفها من قبل ، وقد لاحظنا دفع الحكومة وضعطها باتجاه  تحويل الملف إلى المجلس من جديد  لخلط اوراق الاصلاح واولوياته .
ولا يحتاج  الامر إلى الكثير من التفكير لادراك حجم التمويه الذي تمارسه الحكومة لكسب الوقت وارباك الجدول الزمني المطلوب لاقرار قانون الانتخاب والهيئة المستقلة قبل حل المجلس والحكومة معا  .
لقد كشفت  تصريحات الناطق الرسمي الاخيرة مع قناة الجزيرة ، خللا طارئا ، بعد ان اعطى المجالي نفسه الحق بالاتهام واطلاق الاحكام  في  قضية الفوسفات ، مناقضا رئيس الوزراء عون الخصاونة ، ومزاودا على النواب لتسجيل موقف صدامي يحفظ ماء وجهه من احتمال رحيل الحكومة او خروجه في تعديل وزاري قريب .
تلك التصريحات اساءت لمجلس النواب ، وصبّت الزيت على النار ، من حيث علاقتهم  بقواعدهم  ، ولا اعتقد بان الناطق الرسمي سينجو بفعلته ، لانه وضع   كرامة النواب على المحك ، وسيصبح من المستحيل الوثوق بنواب شاركوا  في مجلس  لم يتمكن من الدفاع عن كرامته امام وزير قوض جهوده وزاود عليه والمح إلى  فساده في محاربة الفساد .
خلاصة القول ، إن قضية الفوسفات وضعت النقاط على الحروف ، وكشفت وهن الشراكة بين الحكومة ومجلس النواب في الاصلاح ومكافحة الفساد ، واظهرتها كشراكة الباحثين عن دفائن الذهب ، "يد على الطورية ويد على الشبرية " .