انتخابات إيران...رقمان وفرضيتان
جفرا نيوز- كتب عريب الرنتاوي
هي الانتخابات الرئاسية الأولى منذ انتصار الثورة الإسلامية في العام 1979، التي تهبط فيها نسبة الإقبال على الاقتراع عن حاجز الخمسين بالمئة (48.8 بالمئة)، برغم الدعوات و"الفتاوى" التي صدرت عن مرشد الثورة وقادة الدولة بتياراتها المختلفة، وفي ظني أن هذا هو الرقم الأهم الأول، الذي تكشفت عنه الانتخابات الإيرانية...ثمة مشكلة بعلاقة الدولة بمواطنيها، لا تحتمل الإنكار...ومشاعر الارتياح التي سجلها مسؤولون إيرانيون لنسبة المقترعين، إما زائفة ومضللة، أو ناجمة - ربما – عن خشيتهم من هبوط أشد انحداراً في نسبة التصويت، وهذا ما كان بادياً للعيان في تصريحاتهم وفتاواهم وتلميحاتهم على أية حال.
صحيح أن الفائز إبراهيم رئيسي، حصد ما يقرب من 62 بالمئة من أصوات المقترعين، بيد أن الأرقام المطلقة تشير إلى أنه لم يحظ سوى بأقل من مليوني صوت عن الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات السابقة التي خسرها، وهي تقل بأكثر من ستة ملايين صوت عن تلك التي حصدها الرئيس الحالي حسن روحاني، مسقطين من "رياضياتنا" الزيادة الطبيعية في أعداد الناخبين الإيرانيين خلال السنوات الفاصلة بين آخر دورتين انتخابيتين.
على أن الرقم الثاني، والأهم من وجهة نظري، هو ذاك المتعلق بالفائز الثاني في الانتخابات، وهو ليس محسن رضائي، كما تقول الأنباء، بل "الأوراق الباطلة"...الأول حصل على 11 بالمئة من الأصوات، فيما حصل الثاني على 12 بالمئة منها...هذه نسبة كبيرة من الأوراق الباطلة، وأحسب أنها غير مسبوقة، لا في إيران ولا في غيرها، ولا يمكن تفسيرها إلا بالاحتجاج على ما تبقى من مرشحين لخوض غمار المضمار الانتخابي، بعد أن قام مجلس صيانة الدستور بإسقاط ترشيح مئات المترشحين، ومن بينهم منافسين جدين لرئيسي من التيارين المحافظ والإصلاحي.
بقاء إيران في منزلة وسط بين منزلتي الثورة والدولة، ولأكثر من أربعة عقود، ربما يكون في خلفية المشهد الانتخابي الراهن...لا الدولة قادرة على تأدية وظائفها الخدمية والتعليمية وخلق فرص عمل لمواطنيها وتسريع عجلة الاقتصاد، ولا الثورة، بات لها البريق ذاته، الذي خطف ألباب ملايين الشباب والشابات، كما كان عليه الحال من قبل، بدلالة السلسلة المتصلة من الانتفاضات والهبّات التي عاشتها إيران في العشرية الفائتة.
أما الفرضيتان، اللتان رافقتا الانتخابات وأعقبتا إعلان النتائج، فأولاهما تتعلق بالقول: إنها انتخابات جرت "هندستها" من قبل، لضمان الوصول إلى هذه النتائج...هذه فرضية صحيحة، عندما تصدر عن دول لها تجربة مستقرة وعميقة في ممارسة الديمقراطية وإجراء الانتخابات الدورية الحرة والنزيهة...لكن حين تصدر عن أنظمة وحكومات، لم تعرف الانتخابات يوماً، أو أنها امتهنت "الهندسة الانتخابية"، فتلكم "نكتة سمجة" لا تطرب أحداً...في إيران يجرون انتخابات، وتتسم بدرجة عالية من الشفافية في يوم الاقتراع وإعلان النتائج، لكن "مصافي النظام وفلاتره"، تفعل فعلها قبل الوصول إلى يوم الاقتراع، وتكاد تضع الإيرانيين أمام خيارات معدّة سلفاً.
الفرضية الثانية، وتتعلق بانتخاب رئيسي رئيساً لإيران، بوصفه متشدداً (أصولياً) وسبق له أن تورط في إعدامات بالجملة أواخر العام 1980...يمكن أخذ هذه الملاحظة على محمل الجد، حين تصدر عن أطراف سبق لها وأن قالت الشيء ذاته عن الانتخابات الإسرائيلية، التي جاءت بمتشددين و(أصوليين) وقتلة ومجرمي حرب...لكن من ابتلع لسان وهو يرقب نتائج الانتخابات الإسرائيلية، لا يحق له أن يخرجه من حلقه، وهو يعلق على نتائج الانتخابات الإيرانية.
إيران تواجه تحديات وتهديدات جمّة، فهل سيقوى الرئيس رئيسي على التصدي لها...من السابق لأوانه الجزم في أي اتجاه سيسير، وسط تضارب التقديرات حول نواياه وتوجهاته، ولكن تجربة المئة يومٍ الأولى في ولايته، ستعطي مؤشراً على عهده، بدءاً بملف الاقتصاد والحريات في الداخل، ومحادثات فيينا في الخارج.