المراهقون وعالم المشاهير.. تقمص للشخصيات يصل حد “الهوس”
جفرا نيوز - لم يعد عالما "افتراضيا”، بالنسبة للأطفال والمراهقين، إنما حقيقي يعيشونه بكل تفاصيله، ويتأثرون به، ويتابعون كل ما ينشر عليه ضمن روتين حياتهم اليومي، ليصل هذا الأمر حد "الهوس” أحيانا.
وعالم "المشاهير” وما يعيشونه لحظة بلحظة، ونشر كل تفاصيل حياتهم أولا بأول، أصبح عامل جذب لهؤلاء الصغار، ويصل بهم الأمر إلى حد تقمص شخصياتهم، واقتناء كل ما يتعلق بهم، وتقليد طريقة كلامهم، و”ستايل” ملابسهم.
رؤية المشاهير وتفاصيلهم، وتحديدا ما يعرضونه على منصات السوشال ميديا أولا بأول من حياة مرفهة، وتسلية وسفر والتحدث مع متابعيهم عبر الفيديو لايف، جميعها تجعل الأطفال والمراهقين ينجذبون لهم ويتابعون كل شيء لهم، ويصل الأمر إلى حد طباعة صورهم على ملابسهم وحتى تقليد قصات شعرهم ونشر شعارات لهم في أرجاء غرفهم.
هذا العالم يأسر مراهقين ومراهقات، يجعلهم أسرى لشاشات الكمبيوتر والهواتف الذكية لمتابعة أخبار المشاهير ورصد أبرز مستجداتهم وصولا لدرجة الهوس بهم وبعالمهم.
سحر أم لفتاة تبلغ من العمر (13 عاما) تقول إن ابنتها تتابع لحظة بلحظة كل ما يخص فرقة كورية تسمى "bts” فتجدها متابعة لجميع أخبارهم وتحفظ جميع أغانيهم حتى أنها تحفظ مقاطع فيديو من مقابلاتهم وتطلب طباعة أحرفهم على كاسات الشرب الخاصة بها، وعلى ملابسها.
ومن شدة تعلق ابنتها بهذه الفرقة، قررت الأم أن تتابع بعض الفيديوهات عنهم وأن تستمع لمقابلاتهم خوفا من نشر أفكار لا تناسب العادات والتقاليد والبيئة أو حتى عمرها.
تعلق المراهقين والمراهقات بالمشاهير، وتقمص شخصياتهم، أمر كان متواجدا منذ زمن، غير أن عصر السوشال ميديا سهل أكثر من التعرف إلى حياتهم عن قرب، والمتابعة الحثيثة أصبحت لحظة بلحظة.
المرشدة التربوية رائدة الكيلاني تذهب إلى أن ظاهرة التعلق بالمشاهير موجودة دائما، فكان الأهالي مغرمون بأم كلثوم وعبد الحليم حافظ ومشاهير أجانب، ولاعبين رياضيين وممثلين عالميين، غير أن الزمن اختلف الآن، وباتت المعلومة تصل في ثوان، لافتة إلى أن الصغار يقضون أوقاتا طويلة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لدرجة التعلق الشديد بالشخصيات.
وتنصح الكيلاني بأن يراقب الأهالي المحتوى الذي يُعرض للأبناء، حتى لو اضطروا لمتابعة المشاهير ذاتهم، ليكونوا على دراية بما يشاهده الصغار وهو ما يمكن أن يؤثر سلبا بهم من حيث التقليد الأعمى، وعدم مراعاة الاختلاف البيئي والأخلاقي والديني.
وتنوه إلى أن بعض المراهقين يكون تعلقهم بهؤلاء المشاهير من باب الفراغ العاطفي، إذ يجدون بهذه الشخصيات نوعا من التنفيس العاطفي، إما عن طريق تعليق الصور، أو طباعة أسماء المشاهير على الملابس، مبينة أن ما يعيشونه من فراغ يجعلهم أكثر قربا من هذا العالم لتفريغ ما بداخلهم، لذلك فإن الحاجة ماسة لاحتوائهم في تلك المرحلة الحرجة.
ويؤكد الاختصاصي الإجتماعي د. حسين خزاعي، ضرورة أن يسيطر الأهالي على هذا الجانب، من باب الحيطة والحذر، فما يعرضه الكثير من المشاهير عبر صفحاتهم لا يلائم البيئة التي يعيش بها الأطفال، لذلك فلا ضير من متابعة المحتوى والتوجيه بأن ما يقوم به المشاهير أمر ليس حقيقيا في كل شيء، وليس من الضروري تقليدهم في كل شيء، وأن متابعتهم ليست ممنوعة لكن عليهم أن يكونوا أكثر انتقائية في اختيار ما يشاهدونه.
والتعلق الذي يصل أحيانا لتعلق "مرضي” بالمشاهير، يراه اختصاصي علم النفس د.موسى مطارنة أنه يسبب مشكلات نفسية واجتماعية كبيرة للمراهقين، حيث تشير بعض الدراسات الحديثة إلى وجود روابط مشتركة بين أمراض مثل الاكتئاب والقلق وبعض المشاكل العائلية من جهة ومتابعة أخبار المشاهير ومحاكاة طريقة حياتهم من جهة أخرى.
ويؤكد أن مواقع التواصل الاجتماعي أسهمت بزيادة هوس المراهقين بنجوم الفن والرياضة، حيث تمتلئ هذه المواقع بآلاف الصفحات التي تنشر على مدار الساعة الأخبار المتعلقة بالمشاهير.
ويضيف مطارنة أن هذه الظاهرة المستمرة عبر الأجيال تغيرت بشكل أكبر وأصبحت أكثر انتشارا بسبب وجود الشبكات الاجتماعية والانترنت والهواتف الذكية، وحتى في الماضي كان هناك تعلق من كلا الطرفين سواء كانوا لاعبي كرة أو إعلاميين أو فنانين، ولكن الحال الآن بشكل أكبر، وقد ساعد على ذلك سهولة الوصول لأخبارهم مقارنة بالسابق.
ويبين أن الفتيات أكثر متابعة وتعلقا بالمشاهير من الشباب، وذلك بسبب عاطفية الفتاة وحبها للتميز بأنها تعرف كل تفاصيل هذا الفنان أو ذاك، وهذا يشعرها قليلا بالإحساس بالأهمية، علما أنه يعد اضطرابا في علم النفس، فالمراهق يصبح "مهووسا” بأخبار من يتابعه لدرجة تصل لأن ينتظر اللحظة التي تجمعه بالمشهور ويعبر له عن إعجابه به، وهذه قناعة خاطئة تصل حد المرض. ويشدد مطارنة على ضرورة أن يدرك الأهل جيدا كيف يتعاملون مع المراهق، بعيدا عن القسوة واللوم الدائم، كما أن المنع التام أو التجاهل سيؤدي إلى نتائج أسوأ مما هو متوقع، فيجب أن يكون هناك احتواء ومعرفة الأسباب التي تدفع الابن للمتابعة المستمرة، وما اللافت في الشخصية.
وفي النهاية، يرى مطارنة أن اللوم يقع بالمرتبة الأولى على وسائل الإعلام المختلفة التي تتعمد البهرجة ونشر أخبار "زخمة” عن المشاهير وشخصيات لم تكن معروفة في الأساس، ويجب على الأهل الاحتواء والتقرب من المراهق، والتحدث معه عن سلبيات هذا الأمر.
وعالمياً، ارتفعت أعداد مستخدمي وسائل الإعلام الاجتماعي في الأشهر الـ12 الماضية، حيث انضم 521 مليون مستخدم جديد حتى نيسان (أبريل) 2021، وهذا يعادل نموا سنويا بنسبة 13,7 في المائة.
وتشير أحدث البيانات إلى أن عدد مستخدمي وسائل الإعلام الاجتماعية في جميع أنحاء العالم يساوي الآن أكثر من 70 في المائة من سكان العالم المؤهلين.
والمستخدم النموذجي، يزور أكثر من 6 منصات للتواصل الاجتماعي المختلفة كل شهر، ويقضي ما يقارب من ساعتين ونصف في المتوسط كل يوم. والأرقام الأخيرة، تشير إلى أن الناس يقضون ما يقارب 15 في المائة من حياتهم باستخدام وسائل الإعلام الاجتماعية.
ويضاف إلى ذلك أن العالم يقضي أكثر من 10 مليارات ساعة في كل يوم باستخدام منصات اجتماعية.
الغد