لماذا نخشى مغادرة المناطق الآمنة في حياتنا؟
جفرا نيوز - "منطقة الراحة”؛ ذلك المكان الذي يفضل كثيرون البقاء داخل مساحاته، ورفض مغادرته أو التفكير حتى بالخروج منه، إذ يعتقدون أنه مصدر الثقة والأمان والاطمئنان بالنسبة لهم.
قرار إحداث التغيير على أحد تفاصيل الحياة والخروج من دائرة الاعتياد وما يعتبره البعض نمط حياة، ليس بالأمر السهل، بل يشكل مصدر قلق وخوف كبيرين، خشية التغيير الذي قد يحمل نتائج سلبية لا يحمد عقباها.
الخوف من تجربة شيء جديد، هو ما جعل سوسن محمد ترفض أي عروض عمل خوفا من البدء بتجربة ربما لا تنجح بها.
وتقول "بعد استقرار 15 عاما في العمل، أعتقد أنني غير مستعدة للخروج من دائرتي الآمنة”، واصفة عملها وزملاءها وكل ما يحيط بها من علاقات مهنية واجتماعية بالمنطقة الآمنة التي تخشى أن تفقدها لو خرجت منها.
يوافقها الرأي أحمد رفعت الذي لا يملك سوى ثلاثة أصدقاء خرج بهم من دراسته الجامعية ويشعر معهم بعلاقة آمنة وتفهم وتوافق اجتماعي ومهني ونفسي في الوقت ذاته.
التعرف إلى أشخاص جدد ليس سهلا بالنسبة له وحتى لا يفكر به، لافتا إلى أن الاعتياد والشعور بالراحة تجاه تفاصيل مهمة بالحياة أمر يصعب إيجاده بسهولة.
وتُعرف منطقة الراحة في علم النفس بأنها دائرة مغلقة وهمية يصنعها الإنسان ويحيط بها نفسه وكأنها حاجز غير مرئي؛ رغبةً في الراحة وخوفًا من مواجهة الألم، ويعتقد أنه يعيش في حالة أفضل ولا يريد تغييرها تحسبًا أن يكون الآتي أصعب.
وتذهب اختصاصية علم النفس الدكتورة سراء نصاري إلى وجود أسباب نفسية تؤثر وتختلف من شخص لآخر، أهمها درجة القلق، فكلما ازداد مقياس القلق ازداد معه التعلق بالمنطقة الآمنة ورفض الدخول في تجارب جديدة يصعب التنبؤ بنتائجها.
ويؤدي القلق، بحسب نصاري، إلى توقعات سلبية وتخوف من المستقبل، فيتمسك الشخص بالأمور التي اعتاد عليها ويعرفها جيدا فلا يحاول أن يجرب الجديد.
وتلعب شخصية الفرد دورا في ذلك، فكلما مال باتجاه الانطواء زاد تخوفه من ترك منطقة الراحة، والبحث عن الجديد.
ومن جهة أخرى، فإن البعد الاجتماعي يعتمد على ضوابط العائلة والمجتمع، فكلما زادت المحاذير والتمسك بالمألوف أي الأشخاص المحافظون، قلت الرغبة بممارسة أمور جديدة أو معارف أخرى وهوايات ونشاطات غير مألوفة، حتى وإن كان الشخص فضوليا ومنفتحا قد يواجه صعوبة من المجتمع وعوائق وصراعات بداخله.
وتلفت نصاري إلى أن الخروج من منطقة الراحة "المنطقة الآمنة”، ضرورة نفسية واجتماعية وتطورية، وفيها اكتساب مهارات جديدة، وهذا يتطلب التثقيف والتشجيع.
وتشجع نصاري الشباب على الخروج عما ألفوه من دراسة أو عمل، والتفكير بإبداعات جديدة ومجالات عمل مختلفة والانخراط في دورات التطوير الذاتي التي تساعد على زيادة الثقة بالنفس وتعليم سلوكيات تساعدهم ليكونوا أكثر جرأة وتقبلا للتغيير.
وتؤكد أن فكرة تغيير نمط الحياة والتفكير تعد خروجا من منطقة الراحة وتقضي على الروتين والملل، وترسم أول طريق الإبداع.
مدربة تطوير الذات وتنمية مهارات التفكير منار الدينا، تشير إلى أن الكثير من الأشخاص يفضلون البقاء في المناطق التي اعتادوا عليها، وذلك كفيل بأن يمارسوا العادة والسلوك ذاتهما، مبينة أن الإنسان يصبح وكأنه مبرمج على هذه الأماكن في العقل اللاواعي، وتشكل له نوعا من الراحة والأمان.
ويحتاج الخروج من منطقة الراحة، وفق الدينا، إلى جرأة وقوة وضبط، وأن يكون لدى الشخص رؤية وبصيرة والتزام وحس بالمسؤولية تجاه حلمه وأهدافه وأن يتحكم هو بحياته والقرارات التي يتخذها.
وتذهب إلى "أن هناك العديد من الأشخاص الذين لا يفكرون بحياتهم ولا يخططون لها ويعيشون اليوم بيومه”، هؤلاء بحسب الدينا، يفضلون البقاء بمنطقة الراحة لأنهم لا يملكون الجرأة للانتقال إلى مرحلة جديدة، وبالتالي الخوف والقلق من تجربة لم يدخلوا بها، معتقدين أنه ناقوس خطر لابد من الاستجابة له.
ووفق الدينا، فإن أسرع طريقة للسيطرة على الخوف وتغيير منطقة الراحة تكون بمواجهة المخاوف وفتح الباب على مصراعيه، والبدء بما يؤجلونه ويهربون منه، وأن يكونوا على ثقة بقدرتهم، بالتالي تحقيق الطموح والأهداف والاستماع للصوت الداخلي وعدم السماح للظروف المحيطة أن تتحكم بهم وإنما هم يتحكمون بها.
وتنصح الدينا بعدم البقاء في منطقة الراحة فترة طويلة والانتقال من منطقة إلى أخرى خلال مراحل الحياة، وهكذا نضمن التطوير المستمر للمهارات والعقل والمشاعر والعلاقات وكل ما يتعلق بالحياة.
ويربط التربوي الدكتور عايش النوايسة التعلق بالمناطق الآمنة بالتنشئة الاجتماعية، ابتداء بالأسرة ومرورا بالمدرسة والمجتمع والوظيفة، مبينا أن المنشأ الأساسي لهذا الشعور بالأمان والراحة هو البيئة التي ينشأ بها الإنسان.
والأمان هو ضرورة نفسية للتربية حتى يتمكن الإنسان من الاستمرار بالتواصل مع الآخرين والدراسة والعمل، لكن أن يبقى هذا الشعور بحدوده الطبيعية.
وينبغي أن لا يطغى الشعور بالأمان والراحة في مرحلة معينة من الحياة حدود الخوف من المجهول والمغامرة، بحسب النوايسة.
وعلى المؤسسات التربوية، متمثلة بالأسرة والمدرسة، تربية الجيل على الشعور بالأمان الاجتماعي والنفسي، لكن من دون أن ينعكس على مجريات الحياة ويتحول إلى خوف يقتل روح المبادرة والمغامرة والإبداع، وفق النوايسة.
ووفق خبراء، فإن تلك المنطقة الآمنة من حياتك تشعر فيها أنك على دراية بها، ويمكنك التحكم فيها دون قلق أو توتر وارتباك، وأي شيء غير ذلك يخيفك ويؤذيك نفسيا.
ليس من الخطأ وجودك في منطقة الراحة لأنها تعد جزءًا من روتين حياتك، وفق خبراء، لكن الخطأ هو استمرارك في هذه المنطقة دون أن تفكر في التغيير.
الغد