جدل على نظام الوظائف القيادية والخبراء يقولون كلمتهم

جفرا نيوز - أجمع خبراء إداريون على أن نظام التعيين على الوظائف القيادية لسنة 2021، الذي صدر في عدد الجريدة الرسمية الثلاثاء الماضي يشكل مخالفة ليس للتوجهات المحلية، بل للتوجهات العالمية الحديثة في هذا المجال.

وأكد هؤلاء في أحاديث  ان النظام يشكل انتكاسة في مجال الإصلاح الإداري بعد أن ألغى الامتحانات، التي كانت ركيزة أساسية لتحقيق العدالة والموضوعية والكفاءة والجدارة، وجعل الأمر برمته منوطا باللجنة الوزارية المشكلة بموجب المادة (5) من النظام.

وأشاروا إلى أن أخطر ما في النظام هو المادة 10/ ج والمادة 11 (أ، ب) واللتان تتيحان التعيين مباشرة من المجلس بتنسيب الوزير المختص، معتبرين أن هذا يعزز المحسوبية والحُكم الشخصي، والواسطة، في الوقت الذي يؤكد فيه مصدر مسؤول في ديوان الخدمة المدنية ان "النظام الجديد للوظائف القياديّة يأتي لغايات رفع مستوى أداء أجهزة الخدمة المدنية من خلال التعيين المبني على الكفايات، وصولا لاختيار وتعيين الشخص المناسب ذي الكفاءة في الوظائف القيادية، والقادر على قيادة الدائرة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية”.

وأضاف المصدر نفسه، ان النظام "يهدف إلى تعزيز منظومة النزاهة الوطنية، وضوابط العمل، والشفافية والعدالة، وتكافؤ الفرص في التعيين على الوظائف القيادية، وضمان فاعلية تطبيق الأسس والمعايير والمنهجية المعتمدة لاختيار شاغلي الوظائف القيادية وتعيينهم، والالتزام الكامل بها، وحوكمة الإجراءات وتسريعها بما يضمن استمرارية الإنجاز”.

واستثنى نظام التعيين من أحكامه: المحافظين، والسفراء، وأمين عام مجلس الأعيان، وأمين عام مجلس النواب، ومدير عام مكتب كل من رئيس الوزراء ورئيس مجلس الأعيان ورئيس مجلس النواب، وأمين سر مجلس الوزراء، وأمين عام رئاسة الوزراء، وسمح لمجلس الوزراء في حالات محددة التعيين على أي وظيفة قيادية بقرار منه بناء على تنسيب مباشرة من المرجع المختص.

أمين عام رئاسة الوزراء الأسبق ورئيس ديوان الخدمة المدنية الأسبق هيثم حجازي بين انه منذ سبعينيات القرن الماضي والمبادرات تطرح واحدة تلو أخرى بهدف إصلاح القطاع العام وتطويره، مشيرا الى أنه ومنذ تولى جلالة الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية وهو يؤكد في كل مناسبة أهمية الإصلاح الإداري وضرورة السير به قدما.

وأشار إلى أنه وبعد كارثة مستشفى السلط، دعا جلالته إلى خطوة حاسمة يجب الأخذ بها وهي ضرورة إيلاء تعيين الكفاءات الإدارية العناية القصوى، وبخاصة في مجال تعيين القيادات الإدارية العليا.

وقال، إن الورقة النقاشية السادسة التي طرحها جلالته تشكل نقطة الانطلاق في عملية الإصلاح المنشودة، "لكن نظام التعيين على الوظائف القيادية لسنة 2021 الذي صدر مؤخرا يشكل مخالفة صريحة لتوجيهات جلالة الملك بهذا الشأن وانتكاسة في مجال الإصلاح الإداري”.

وأضاف، ان إدارة الموارد البشرية ونحن نعيش الألفية الثالثة "انتقلت من إدارة تلك الموارد وفي طليعتها عملية الاختيار والتعيين باستخدام المنهج التقليدي الى إدارة الموارد البشرية باستخدام مبدأ الجدارات والكفايات”.

وبين ان النظام السابق كان يعتمد في عملية اختيار القيادات الإدارية العليا الامتحانات التنافسية كأحد المعايير في عملية الاختيار لما تحققه هذه الامتحانات من إيجابية في الكشف عن قدرات المترشحين، وتحقيق العدالة بينهم، لافتا إلى أن ديوان الخدمة المدنية أجرى العديد من الاختبارات التي كانت موضع ثقة المتنافسين أنفسهم حتى ممن لم يحالفهم الحظ سواء في الامتحانات نفسها أو في مرحلة المقابلة، موضحا ان النظام الحالي جاء ليلغي الامتحانات التي كانت ركيزة أساسية في تحقيق العدالة والموضوعية وجعل الأمر برمته منوط باللجنة الوزارية المشكلة بموجب المادة (5) من النظام والتي ستقوم بإجراء المقابلات الشخصية للمترشحين.

ولغايات المفاضلة بين المترشحين حددت الفقرة (ب) من المادة (9) معايير التقييم المتمثلة في "المعرفة الفنية المتخصصة، والقدرات الإدارية والقيادية، والمهارات، ثم الانطباع العام عن المترشح”. والسؤال هو: "كيف ستقوم اللجنة الوزارية بقياس القدرات القيادية والإدارية للمترشحين، وكيف سيتم قياس مهاراتهم دون إجراء الاختبارات التي تكشف عن تلك الجوانب؟ وهل تمتلك اللجنة الوزارية، وبغض النظر عن أعضائها أيا كانوا، ما يؤهلها للحكم على هذه الجوانب وما إذا كانت متوافرة لدى المترشحين أم لا”.

وأكد أن مثل هذه القضايا لا يمكن الحكم عليها إلا من خلال إجراء سلسلة من الاختبارات مثل اختبارات الذكاء واختبارات القدرات والاختبارات النفسية والفنية وغير ذلك، متسائلا أيضا: "أليس من المحتمل ان يكون للمرجع المختص (غالبا ما يكون الوزير) الذي هو عضو في هذه اللجنة تأثير عليها؟ وأليس هناك احتمال بأن يكون للرأي الشخصي لأعضاء اللجنة دور في تحديد علامة الوزن النسبي المقرر لكل معيار التي يستحقها كل مرشح؟”.

ومما يؤخذ على النظام الجديد، بحسب حجازي، ذلك الدور الواسع الذي تم منحه للمرجع المختص. فالفقرة (ج) من المادة (10) وللأسف تفتح المجال واسعا أمام الواسطة والمحسوبية إذ أتاحت للمرجع المختص، في حال لم ينجح أي من المرشحين الذين تمت مقابلتهم من اللجنة أن "يقوم بترشيح ما لا يقل عن ثلاثة- خمسة أشخاص للجنة لإجراء مقابلات شخصية معهم شريطة ان لا يكون أي منهم من ضمن الأشخاص الذين تمت مقابلتهم سابقا؛ إذن "كيف سيحكم المرجع المختص أن الأسماء الثلاثة أو الخمسة التي يختارها تنطبق عليها المعايير المذكورة؟ وما الذي يمنع المرجع المختص من التنسيب بشخص غير مؤهل لشغل ذلك المنصب القيادي؟”، رائيا أن ذلك "قد يفتح المجال للتعيين على أساس المعرفة والمحسوبية وليس على أساس الكفاءة”.

وأضاف، إن الفقرة (ب) من المادة (8) تنص على ان "ترسل الطلبات المستوفية لشروط إشغال الوظيفة القيادية ومرفقاتها إلى المرجع المختص ليقوم بتقييم الطلبات وفقا للمعايير الواردة في الفقرة (ب) من المادة (9) ثم يخاطب المرجع المختص رئيس اللجنة بأسماء أفضل سبعة مترشحين ممن تطبق عليهم شروط إشغال الوظيفة القيادية. فهل فعلا يمتلك المرجع المختص القدرة والكفاءة للقيام بعملية التقييم المذكورة؟”.

وأشار حجازي الى الفقرة (ب) من المادة (11) التي تعطي لمجلس الوزراء وفي حالات محددة "التعيين على أي وظيفة قيادية بقرار منه وبناء على تنسيب مباشر من المرجع المختص، ما يعني إمكانية ملء جميع الشواغر القيادية دون طرح أي اعلان أو استقطاب للوظيفة المطلوب تعبئة شاغرها، وهو ما يعتبر مخالفا للدستور الذي نص على ان الأردنيين متساوون في الحقوق والواجبات وان من حق الأردنيين التنافس على الوظيفة العامة.

مدير معهد الإدارة العامة السابق، الدكتور راضي العتوم، قال، على الرغم من أن "كثرة التعديلات على نظام تعيين الفئة العليا يُلقي الشكّ لدى المختصين”، الا إننا إذا تجاوزنا هذا الشك نرى أن النظام الجديد ما زال يضم في طياته معظم الإيجابيات الواردة بالتعليمات والأنظمة السابقة، "عدا قضية واحدة خطيرة وهي منح صلاحية موازية للوزير المختص في حال لم يتم اختيار أحد من بين المترشحين المتنافسين والذين تمّ اختيارهم للمقابلات، بالتنسيب بثلاثة إلى خمسة أشخاص من غير المقدمين اصلا للوظيفة القيادية، كما جاء بالمادة (10/ج) من النظام”.

ومن الملاحظ كذلك بحسب العتوم، "إخراج رئيس ديوان الخدمة المدنية من عضوية اللجنة الوزارية، وحصر دوره باختيار شخص من موظفي الديوان للجنة فرز الطلبات فضلا عن تعيين النظام لأمين عام ديوان الخدمة كعضو في لجنة الفرز والاختيار الأولي، "لكن وجود رئيس الديوان باللجنة الوزارية أمر حيوي وضروري”.

وفيما يتعلق بالمادة 6/ أ التي تعطي صلاحية استقبال الطلبات لموقع رئاسة الوزراء والجهة المختصة بدلا من الديوان، رأى العتوم أنه "لا بأس في ذلك، فكلاهما لا يؤثر على عدالة التقدم، سوى أن الثقة بإمكانية مراجعة المتقدم للديوان أسهل وأيسر”.

وفيما رأى أن معايير التقييم والمفاضلة المنصوص عليها بالمادة 9/ ب "موضوعية، إلا أنه تساءل "هل يمكن للوزراء أعضاء اللجنة الحكم والتقييم الموضوعي للمترشحين، وهل سيثق المترشحون للمقابلات بعدالة وموضوعية ذلك التقييم، خاصة بعد التجاوزات العديدة على أنظمة التعيينات السابقة للحكومات المتعاقبة!”.

وأكد أن أخطر ما في النظام هو المادة 10/ج والمادة 11 (أ، ب)، واللتين تتيحان التعيين مباشرة من مجلس الوزراء بتنسيب الوزير المختص، معتبرا ذلك أنه "أبعد ما يكون عن الموضوعية، ويعزز المحسوبية والحُكم الشخصي، والواسطة”. كما أن استثناء المحافظين والسفراء، وغيرهم من نصوص النظام، يجعلنا نشير الى "مستوى ضعف كفاءة وقدرات بعض ممن يعينون بهذه الوظائف، ويجعل من الانتقاد بائنا لمن يشغلون تلك الوظائف القيادية، في دولة ندعي انها دولة مدنية عصرية”.

الغد