انحسار “الجائحة” وعودة الحياة “وجاهيا”.. لماذا يخشاه البعض؟

جفرا نيوز - فيما بدأت ملامح العودة للحياة الطبيعية تتضح أكثر، خصوصا مع بدء الفتح التدريجي للقطاعات؛ وانخفاض المنحنى الوبائي؛ يخشى البعض من "الانغماس” مجددا بالحياة الاجتماعية الوجاهية كما كانت سابقا، مع صعوبة التخلص شيئا فشيئا من فكرة التباعد التي استمرت ما يقارب العام ونصف تحت قيود اجتماعية فرضتها جائحة "كورونا” على العالم أجمع.
التباعد الجسدي الذي فرضته "كورونا” منذ آذار (مارس) العام الماضي، أحدث تغييرا كبيرا على تفاصيل الحياة الاجتماعية وتغيرت عادات وتقاليد كان من الصعب استبدالها سابقا في الأفراح والأتراح ومختلف المناسبات، لتأتي مواقع التواصل الاجتماعي تفرض نفسها وتحول ما كان وجاهيا لـ "افتراضيا”.

هل ستعود الأفراح من جديد؟ وهل سنكسر خوفنا وقيود "كورونا” في الوقت نفسه؟ سنعود من جديد نشبع شغفنا في التواصل مع أحبائنا الذين أبعدتنا عنهم "كورونا” أم سنفضل العزلة؟”.. كلها تساؤلات تطرحها ليلى جابر، معتقدة أن آثار الجائحة لن تزول سريعا حتى وإن عادت الحياة لطبيعتها، ستبقى رواسبها عالقة.

إحدى الدراسات العالمية أكدت أن الخوف بعد انحسار جائحة "كورونا” مما يسمى انتشار الوحدة المزمنة أو "انعدام الهدف” في الحياة بسبب إجراءات التباعد الاجتماعي أثناء الجائحة. وتؤكد الدراسة أن التباعد الاجتماعي أرغم البعض على الابتعاد عن الكثير من معارفهم، ما يجعلهم يجدون صعوبة في ترميم علاقاتهم بأصدقائهم بعد انحسار الوباء. وقد انسحب آخرون طوعا من العالم الخارجي، وانكفأوا على أنفسهم بحثا عن الأمان في عالمهم الخاص. وقد يجدون صعوبة في الخروج من العزلة ومخالطة الآخرين. وضغوط الوباء قد تصبح أشد تأثيرا على أولئك الذين مروا بتجارب مؤلمة في الماضي.

أحمد مهنا (14 عاما) لا يعرف إن كان سيتمكن من العودة مجددا للعب مع أصدقائه في نادي كرة القدم كما كان في السابق، ويزور بيت أجداده وأعمامه بكل وقت ومن دون قيود وكمامات من جديد. ويرى أحمد أن "كورونا” غيرت من طباعه وأصدقائه أيضا، وأصبح التواصل معا من خلال مواقع التواصل، أو ألعاب الفيديو المشتركة، ولم تعد لديهم جميعا رغبة في الالتقاء كما كان الحال سابقا.

محمود عبدالله، يعتقد أن البرود "تغلغل” في علاقات اجتماعية، بسبب ما فرضته جائحة "كورونا”، فضلا عن الخوف الذي أصبح حاضرا ومسيطرا على الغالبية من انتقال العدوى لهم وبالتالي لأحبائهم، وما يترتب على ذلك من خشية خسارة أحد أفراد العائلة.
اختصاصي علم اجتماع الدكتور محمد جريبيع يؤكد أن العلاقات الاجتماعية خلال العام والنصف الماضيين تغيرت، وأصبح الكثيرون راضين ومتقبلين لطرق تواصل جديدة لم يكن من المتوقع قبولها في السابق.

والآن ومع استعداد الجميع للعودة إلى الحياة الوجاهية وحضور مختلف المناسبات، ما يزال البعض متعلقا بما اعتاد عليه مثل تقبل التعازي والتهاني عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ويقول جربييع "نحن عرفنا قيمة العلاقات الاجتماعية وبعد "كورونا” الجميع سيعيد حساباته”، وتأخذ العلاقات نمطا جديدا، فيشعر الجميع بقيمة الأسرة والأصدقاء، الزملاء في العمل وقيمة التقارب والسير في الشوارع والأماكن بحرية.

ويشير جريبيع إلى أن الغالبية في توق إلى العودة إلى الحياة الاجتماعية بأشكالها المختلفة، لافتا إلى هنالك تغيرا كبيرا أحدثته مواقع التواصل سواء من الناحية الإيجابية أو السلبية، فالعامل التكنولوجي ساهم بتغيير الكثير من العادات والسلوكيات خلال جائحة "كورونا”.

اليوم، الاستعداد حاضر للعودة إلى الحياة الوجاهية، وفق جريبيع الذي يعتقد أن هنالك اشتياقا للتواصل بالحياة الاجتماعية الواقعية التي اعتاد عليها الفرد قبل "كورونا”، مؤكدا أن تواجد الناس بجانب بعضهم البعض في المناسبات يزيد من فرح الناس وشعورهم بالسعادة، كذلك في الحزن والمواساة، والمشاركة بألم الفقد، كل ذلك افتقده العديدين بالجائحة، وهم بأمس الحاجة له الآن.

اختصاصي علم النفس التربوي الدكتور موسى مطارنة يشير إلى أن ما فرضته "كورونا” من سلوكيات اجتماعية جديدة وانحباس للحرية وتغيير جذري في نظام الحياة في العمل والبيت والتعليم، كان له تأثير كبير على نفسيات الناس.

وينوه بأن متلازمة ما بعد "كورونا” ستؤثر على الحالة الصحية والنفسية والسلوكية للناس، وبالتالي لا بد من التوقف كثيرا عند عودة الأشياء إلى طبيعتها وخاصة المدارس والطلبة، مبينا أن العودة إلى الحياة الوجاهية يتطلب خطة احتواء قائمة على تحديد المشكلات التي يمكن أن يعاني منها الناس ما بعد "كورونا” والطلاب والأطفال والتعامل معها بشكل علمي صحيح.

ويضيف مطارنة "لا بد من التدرج في عودة الناس إلى حياتهم الطبيعية”، ومواجهة ما ظهر لديهم من سلوكيات وعادات يومية جديدة بعد "كورونا” والتعامل مع السلوك اليومي الطبيعي الذي اختلف مع الحظر والإغلاقات.

السؤال عن كيفية تعامل الناس مع الحرية الاجتماعية هو ما يجب التوقف عنده بحسب مطارنة، إذ إن الضغوط النفسية وفوبيا الجائحة والتردد بالقرارات وحالة العزلة، تحتاج لتدخل أسري ومجتمعي وتعليمي وتثقيفي، عبر إعادة بناء السلوك والبحث عن ديناميكيات جديدة للتعامل.
ويولي مطارنة أهمية قصوى للطلبة وعودتهم للمدارس من حيث النظام والانضباط والالتزام والتعليم التفاعلي الوجاهي بعيدا عن التكنولوجيا، مبينا أن السلوك اليومي للزيارات العائلية والمناسبات الاجتماعية كلها بحاجة إلى تهيئة حتى تعاد الأمور إلى نصابها.
ولا بد، وفق مطارنة من البدء تدريجيا بالعودة إلى الحياة الاجتماعية بعد أن أمضى الجميع حياة غير طبيعية خلال الفترات الماضية خالية من التواصل الجسدي والمشاعر والأحاسيس، ولا بد من التعامل معها بحذر حتى تعود الحياة إلى مجراها.

الغد