خرجوا من « تربة» خيباتنا
جفرا نيوز - حسين الرواشدة
من أين خرج هذا الجيل الغاضب؟
الإجابة في كلمتين : خرجوا من « تربة» أخطائنا وخيباتنا ، وبالتالي فان ما زرعناها بأيدينا في حقول السياسة والثقافة والاقتصاد نحصده اليوم في أجيال أصبحنا لا نعرفها وان كانت ستكون (على ما اعتقد ) أفضل منا .
ربما يخطر في بال احدنا ان يسأل عن المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي أفرزت هؤلاء الشباب ، او عن ثورة الاتصالات والانترنت التي كان البعض يعتقد انها أفضل هدية لتسلية الشباب وإشغالهم فإذا هي تتحول إلى «قنابل» متفجرة لتسويق الغضب وتنظيمه ، أو أن يسأل عن مآلات الإصلاح وأحلام «الديمقراطية» التي اختزلت في حوارات اللجان و تشييد الهياكل ، وتفننت في الطلاء على حساب البناء ، وانتصرت لمنطق النخب المستفيدة على حساب «المجتمع» .
ربما يخطر في البال أيضا أن الشباب الذين فتحوا أعينهم على حرب العراق ، ولبنان وغزة ، ثم عاشوا فصل « الربيع العربي « وما جرى فيه ثم ما تبعه من عمليات إجهاض ، وتابعوا مشاهد «العبث» الذي مارسه النظام السياسي العربي ، وتجاوزوا عقده «الخوف» التي ترسخت في آبائهم ، أن هؤلاء جيل جديد لا نستطيع ان نحدد اتجاهاته ، ولا يخضع للحسابات التي ألفناها ، ولا يتناسب وعيه من المقررات والإجراءات التي جربناها ، جيل له مقاييسه وحساباته ، وله وعيه الذي فوجئنا به ولم نحسب له أي حساب.
مشكلة هذا الجيل من الشباب في بلادنا هي جزء من مشكلة الغموض الذي نعاني منه، سواء على صعيد الاصلاح السياسي او التشريعات او غيرها مما يتعلق بأجندتنا وأولوياتنا الوطنية، فلا احد يعرف: ماذا تريد الحكومات من الناس؟ او ماذا تريد لهم؟.. ولا احد يعرف لماذا يطلب من ابنائنا -مثلا- ان يفجروا طاقاتهم الإبداعية ويشاركوا في القرارات التي تهم مجتمعهم..؟ ثم اذا ما فعلوا ذلك عوقبوا عليه.
مشكلة حرية التعبير بالنسبة لشبابنا تبدو بسيطة اذا ما نظرنا الى التغيرات التي طرأت على علاقتهم مع المجتمع ومع الدولة ، ففي وقت مضى من زماننا ، كان أبناؤنا يتحركون (بريموت) آبائهم او أمهاتهم ومع حكوماتهم أيضا ، يصمتون بإيماءة منهم او إشارة ، كانت السلطة ( الأبوية والاجتماعية والسياسية ) تفرض هيبتها على الجميع.
مع التحولات التي طرأت على مجتمعنا وأصابت قيمه وأخلاقياته ، تغيرت الصورة تماما ، وتحول هذه الفضائل الى (محرمات) ، وأصبحت تعد في دائرة (الوصاية) المرفوضة التي لا تتناسب مع الواقع وتطورات العصر ، فالكل تمرد على الكل ، والكل استقل عن الكل ، ولم يعد لأحد (كلمة) على أحد ، اللهم الا في إطار الرغبة في التمرد والانتقام .
سقوط (الوصاية) لم يتزامن بالطبع مع ولادة (الفاعلية) الاجتماعية التي يستطيع المجتمع من خلالها ان يطور حركته وكفاءته وحيويته ولم يساهم في تحرير الجيل الجديد من الشعور او – حتى – الوقوع تحت قهر أنواع جديدة من (الوصايات) ، ولم يخلق فرصاً تمكنه من استثمار (تمرده) او الاعتماد على ذاته او الخروج من دائرة (الأسيجة) التي رفضها الى دائرة الحريات والعدالة التي يفترض ان يسعى اليها.
كل هذه المخاضات التي نشهدها تعني ان غدا لا يمكن ان يكون مثل اليوم او الأمس ، وان أولئك الشباب الذين كنا مطمئنين الى انشغالاتهم ومرتاحين من مشاغباتهم لم يعودوا كذلك ، وان الحريات التي كانت «ترفا» تقدمها الحكومات للناس متى أرادت وتمنعها متى شاءت أصبحت «ضرورة» مثل الخبز والماء ، وربما أكثر!