بروح ع المحافظ ..!.
جفرا نيوز - إبراهيم عبد المجيد القيسي
خسارة كبيرة؛ أن تغدو مكارم الأخلاق عبئا على مجتمع، لا رصيد فعليا يعتز به سوى مواقفه وتاريخ دولته الأخلاقي، فهي فعلا التي انقذت او خففت عن الاردنيين كثيرا من أزماتهم، فالأردني قد يخسر ماله بل روحه أو ارواحا عزيزة عليه، ويتنازل عنها جميعها بسبب كرم أخلاقه وسماحته..
هل تعلمون ما المؤسف أكثر من ذلك؟.. أن الأخلاق تصبح حائلا دون تنفيذ القانون، وسببا في تضييع حقوق الناس، حين يراعيها المسؤول وحده، بينما لا يحترمها المتخاصمون، ويستغل أحد الأطراف احترام المسؤول للناس، ليعربد من جديد بجرائمه عليهم، ويحدث هذا مع كل أسف في دولة تسعى لسيادة القانون!.
عرفت أحد الحكام الإداريين، رجل محترم، يحمل شهادة جامعية عليا (دكتوراة)، وشهادته الفعلية التي أقدرها أكبر وأكثر هي أخلاقه الأصيلة العالية، ولا أتخيله يظلم كائنا ويقسو عليه، وفي الوقت نفسه، يعمل بهذه الوظيفة التنفيذية، يشرف خلالها على تنفيذ قوانين تمنع الخلافات بين الناس، ويحمي حقوق الجوار بينهم، لكن المشكلة تكمن في النماذج التي يتعامل معها، فهي لا تقرأ أو تفهم أن يتعامل معهم هذا الحاكم الاداري بالأخلاق، فيستغلونها ويسوفون ويماطلون ويتجرأون بالخطأ..!.
من المعروف مثلا، أن للحاكم الاداري صلاحياته بالتوقيف الاداري، ويرتكز على قانون منع الجرائم، في تحييد الخطر عن الناس، بردع (البلطجية)، وإبعادهم عن المجتمع، وهذه هي الغاية من قانون منع الجرائم، ونحن نتحدث هنا عن الشكل العام للقانون والهدف السامي من وراء تطبيقه..فهي مسألة لا يختلف عليها اثنان أعني (إبعاد الخطر والشر عن الناس والمجتمع).
ليس هذا فقط ما يقوم به الحاكم الاداري لفض بعض النزاعات بين المواطنين أو السكان بشكل عام، بل هناك أيضا قانون الجوار، سواء أكان جوار افراد في حي أو شارع أو عمارة، أو حتى جوارا عشائريا، في التجمعات العشائرية، فحين يقع خلاف او حادث ما، بين عشيرتين متداخلتين او متجاورتين، يكون للحاكم الإداري موقفه الحاسم في تقليل خطر الاحتكاك بين المتخاصمين، لا سيما وقت الحادثة، او (فورة الدم) كما نقول..
الشخص الذي أعرفه يدير شؤون وظيفته بطريقة مهذبة جدا، وهو أمر قد لا يتفق مع الحزم والحسم المطلوبين في مهمته، فحين يحترم المشتكي، والمشتكى عليه، ويترك لهما حرية التفاهم، ويجنب المشتكى عليه الإحراج، لقناعته بأنه محترم ويفهم المواقف الطيبة ويراعيها، حيث بإمكان الحاكم الاداري ان يتعامل معه بحرفية تامة:
روح وقّع تعهدا خطيا او وقع كفالة مالية على أن تصوب ما يؤذي جارك، وسوف امهلك اسبوعا لتصويب الوضع.
فيمر الاسبوع والشهر والعام كاملا، ولا يتغير شيء، فيعود الحاكم الاداري وأمام الحاح المشتكي بإعادة التحذير الخجول للمشتكى عليه، الذي أثبت قبل هذا بأنه لا يحترم او يلتزم بتعهده ..بل ويزداد فجورا ونفاقا و(يتبلى) على الطرف المشتكي، فهو لا يريد تنفيذ قانون ويصر على عدم الوفاء بالحق.. مستغلا طيبة أخلاق الحاكم الاداري، بينما الأمر يتحول بين المشتكي والمشتكى عليه الى حالة خصومة ثابتة، لم تكن في البداية بهذه الحدية والخطر، والسبب عدم حسمها من أول مرة حسب القانون والصلاحيات والسلطة التقديرية للحاكم الإداري، فينشغل هذه المرة هو والأطراف المتخاصمة، ويدخل في أتون اتهامات وتشكيك بينما هو في الحقيقة رفع الأخلاق بموازاة أو حتى فوق القوانين.
انا وكل مواطن يحترم القانون، نقتنع بأن الحاكم الإداري يمثل جلالة الملك، ويملك صلاحيات قانونية ودستورية تؤهله لحسم الخلافات بين الناس، ولا يتضجر أي عاقل متوازن من أخذ أو إعطاء الناس حقوقها، لكن على ما يبدو أن هناك كثيرين لا يؤمنون بهذه القناعات والمبادىء، فيعتدون على الآخرين، ومن هنا نقول بأنه يجب على الحاكم الإداري أن يكون حاسما وحازما، فالهيبة والاحترام للقانون لأنه مقدّس بالنسبة لصاحب الحق، وينظم حياة الناس ويحفظ حقوقهم وأرواحهم.
الأخلاق يحترمها ويقدرها من يعرفها، لكن ثمة من لا يعرفونها او قد تجاوزوها منذ زمن وخسروها، فهؤلاء لا ينفع معهم سوى القانون الحرفي بلا زيادة ولا نقصان .
ما دمنا لم نبلغ تلك الدرجة الديمقراطية، التي تحقق احترام القانون وسيادته، وتحفظ حريات وحقوق الناس، نريد ان يكون لعبارة (والله بروح ع المحافظ) وقعها الذي نعرفه، بأن المحافظ حاكم بالعدل والحق والخير وحفظ حقوق الناس والمجتمع.
مشكلة ان تكون ديمقراطيا ومحافظا على سياسة القانون وغريمك فوضوي او متواضع الفهم او لا يعرف أخلاقا ولا قيما فضلى.