صينيون يفضلون حياة دون إنجاب
جفرا نيوز - بينما تحاول الحكومة الصينية زيادة معدل المواليد المتناقص في البلاد، يفضل جيل الألفية اتباع أسلوب حياة يُعرف باسم ”Double Income, No Kids" (الدخل المضاعف، لا أطفال)، وذلك لرفع مستوى معيشتهم.
وقالت صحيفة ”نيويورك تايمز" الأمريكية إن الصيني هوانغ يولونغ، (27 عامًا) لم يرغب في الإنجاب أبدًا أو توريث اسم العائلة، حيثُ خضع لعملية قطع القناة الدافقة، العام الماضي، وذلك لأنه عندما كان طفلًا استاء من والديه اللذين تركاه في رعاية أقاربه أثناء عملهما في مصانع بعيدة، وكانا يزورانه مرة واحدة تقريبًا في السنة.
وقال يولونغ، الحاصل على درجة البكالوريوس، ويقيم في مدينة غوانزو، جنوب الصين:"الأطفال ليسوا ضرورة بالنسبة لجيلنا، فالآن يمكننا أن نعيش دون أي أعباء، فلماذا لا نستثمر مواردنا الروحية والاقتصادية في حياتنا؟".
ويتطلع ”يولونغ" إلى اعتماد أسلوب حياة يُعرف باسم"الدخل المضاعف، لا أطفال"، وهو مفهوم موجود منذ عقود، ولكنه لم يصبح شائعًا في الصين إلا مؤخرًا، حيث تسببت التكاليف المتزايدة والمشاكل الاقتصادية الأخرى في تجنب العديد من الشباب الإنجاب أو إنجاب طفل واحد.
3 أطفال بدلًا من واحد
ويتعارض أسلوب الحياة هذا بشكل مباشر مع جهود الحكومة الصينية لتجنب الأزمة الديموغرافية المقبلة، حيثُ عدّلت بكين، أمس الإثنين، مرة أخرى سياستها لتنظيم الأسرة، وسمحت للأسر بإنجاب 3 أطفال بدلًا من طفلين، بهدف تشجيع الأزواج على إنجاب المزيد من الأطفال، وهو ما لا يفضله البعض.
وتقوم العديد من شركات التأمين في الصين بالتسويق مباشرة لأسر"الدخل المضاعف، لا أطفال"، وتعمل وكالات ومواقع الزواج على اجتذاب الرجال والنساء الذين لا يريدون الإنجاب.
ويقدم وكلاء الإسكان شققًا تلبي احتياجات الأزواج الذين لا يخططون للإنجاب، ويتم تحويل الغرف التي كانت في يوم من الأيام غرف أطفال إلى صالات رياضية منزلية.
لا أريد ذلك
وفي حين يبدو أن قرار ”يولونغ" بالخضوع لجراحة قطع القناة الدافقة قد يبدو مبالغًا فيه، إلا أن علماء الديموغرافيا حذروا منذ فترة طويلة من أن العدد المتزايد من الصينيين الذين يختارون عدم إنجاب الأطفال هو السبب الرئيس لتقلص عدد سكان البلاد، فوفق آخر تعداد سكاني، بلغ متوسط حجم الأسرة الآن 2.62، انخفاضًا من 3.1 في العام 2010.
وقال يولونغ، الذي يجني 630 دولارًا شهريًا من إصلاح الهواتف المحمولة، إن قراره يرجع إلى حد كبير إلى غياب والديه، فضلًا عن نقص الفرص الاقتصادية، فقد كان والداه يعملان في مصنع في مقاطعة جوانجدونج الجنوبية، ونادرًا ما كانا يأتيان لزيارته في مسقط رأسه هونان، ولم يطورا علاقة معه أبدًا، رغم أنه كان طفلهما الوحيد.
وأوضح يولونغ أنه"إذا تزوجت ورُزقت بطفل، سأنتمي إلى الطبقة الدنيا في المجتمع، وعندما يحين الوقت يمكنني ترك طفلي في المنزل مثلما فعل والدي، ولكنني لا أريد ذلك".
وعندما كان يولونغ في عمر الـ 14، غادر هوانغ مدينة هونان للعثور على عمل في قوانغدونغ أيضًا، ووقع لاحقًا في حب امرأة تريد الإنجاب، وصارع مع إمكانية تكوين أسرة، ثم انفصل عنها في النهاية، وذهب إلى مستشفى في غوانزو، في شهر حزيران/يونيو 2019، للخضوع لعملية قطع القناة الدافقة، التي وصفها بأنها هدية عيد ميلاد لنفسه.
محرمات ثقافية
وتحدثت صحيفة ”نيويورك تايمز" مع رجلين صينيين آخرين خضعا لعملية قطع القناة الدافقة، وطلب كلاهما عدم استخدام الاسم الكامل لأسباب تتعلق بالخصوصية لأن بعض أفراد العائلة والأصدقاء ليسوا على علم بقرارهما.
ولا يزال ينظر إلى اختيار التعقيم الطوعي، خاصة عندما يكون الشاب غير متزوج، على أنه من المحرمات ثقافيًا في المجتمع الأبوي في الصين.
وفي العديد من المدن، يطلب الأطباء إثبات عقد الزواج وموافقة الشريك، وقبل العملية، حيثُ سأل الطبيب يولونغ عما إذا كان متزوجًا ولديه أطفال، فأجاب بنعم.
وسمع معظم الصينيين عن التعقيم في سياق سياسة الحكومة السابقة لتنظيم الأسرة، عندما اقتصرت كل أسرة على طفل واحد لإبطاء النمو السكاني خلال فترة التوسع الاقتصادي السريع، وعلى الرغم من تعقيم عدد أكبر بكثير من النساء بالقوة بموجب قاعدة ”الطفل الواحد"، إلا أنه في بعض الحالات، خضع الرجال لجراحة قطع القناة الدافقة.
وكان إعلان الحكومة لسياسة الأطفال الثلاثة هذا الأسبوع هو أحدث محاولة لعكس بعض تلك الممارسات، ولكن بعض الرجال يطلبون الجراحة بأنفسهم، ويقولون إن ذلك يرجع جزئيًا إلى الرغبة في تشارك عبء منع الحمل مع شركائهم، بينما يسعى كلاهما إلى أسلوب حياة ”الدخل المضاعف، لا أطفال".
سعادتي المستقبلية
وقال جيانغ، وهو مدرب شخصي ويبلغ من العمر 29 عامًا في مقاطعة فوجيان الجنوبية، إنه حاول الخضوع لعملية قطع القناة الدافقة في حوالي 6 مستشفيات ولكنها جميعًا رفضت ذلك، وذلك لأنه لم يتمكن من تقديم ”شهادة تنظيم الأسرة"، وهي وثيقة رسمية توضح الحالة الاجتماعية للشخص، وعدد الأطفال.
وأضاف جيانغ، وهو أعزب:"لقد رفضوا القيام بذلك من أجلي، وقالوا: أنت تتعارض علانية مع سياسة الولادة في البلاد لأنك غير متزوج، وليس لديك أطفال".
وفي شهر آذار/مارس الماضي، وجد ”جيانغ" في النهاية مستشفى في مدينة تشنغدو جنوب غرب البلاد كان على استعداد لإجراء الجراحة، ونشر تقريرًا مفصلًا عن العملية في منتدى لأنصار أسلوب حياة ”الدخل المضاعف، لا أطفال"، على موقع ”Baidu"، وهو محرك بحث صيني شهير.
وبين جيانغ أنه يريد تغيير آراء الناس والمفاهيم الخاطئة حول الجراحة، حيثُ يعتقد البعض أن قطع القناة الدافقة هو الإخصاء، وأنه يجعل الرجال مخنثين، إذ كتب أحد رواد المنتدى:"أنا معجب بك، فالمحارب الحقيقي فقط هو من يستطيع استخدام المشرط على عضوه الذكري"، وأجاب جيانغ:"هذا من أجل سعادتي المستقبلية".
خطة احتياطية للتقاعد
ومنذ عقود، ينجب الشعب الصيني الأطفال لأن هذا ما تنص عليه التقاليد، ولأن ذلك يعد مسؤولية الأبناء، وخطة احتياطية للتقاعد، ولكن شبكة الضمان الاجتماعي المتوسعة، وانتشار خطط التأمين أعطيا الناس المزيد من الخيارات، حيث يوجد في الصين الآن أكبر عدد من العزاب في العالم.
وفي العام 2018، أشارت الإحصاءات إلى أن عدد العزاب قد وصل 240 مليونًا، وهو ما يمثل حوالي 17% من إجمالي السكان، وعلى الرغم من أن النسبة لا تزال أقل مقارنة بالولايات المتحدة، إلا أن هذا العدد قد ارتفع بنحو الثلث منذ العام 2010.
وقال هي يافو، وهو خبير ديموغرافي مستقل في مدينة تشانجيانغ الجنوبية:"الشباب، اليوم، ليسوا قادرين على تحمل المصاعب مثل الأجيال السابقة، ويعتقد الكثيرون أن الأطفال لن يرعوهم عندما يتقدمون في السن فحسب، بل سيعتمدون عليهم بدلًا من ذلك، ولذلك من الأفضل توفير المزيد من المال، والدخول إلى دار رعاية المسنين لمزيد من الأمان، أو شراء بوليصة تأمين".