من دحرج كرة الثلج؟
جفرا نيوز- كتب جهاد المنسي
الاكتفاء بمراقبة المشهد، وترك الامور تسير بالطريقة التي يريدها البعض لا يخدم البلد، ولا يجعلنا ندخل مئويتنا الثانية بعيون تتطلع للامام، فثمة من يشدنا للخلف، وثمة من يريد ان يعيدنا للوراء حيث بدايات تكوين الدولة وقبلها، ويدفعنا للوصول لمنعطفات لا تساعد او تساهم بالارتقاء للاعلى والنظر للامام، كما ان دفن الرؤوس في الرمال لا يخدم معزوفة الحرص على الوطن، فلماذا يغيب البعض عندما يكون واجبهم الحضور؟
لا أتحدث عن قضية بعينها، او عن مشهد على وجه التخصيص، فكل ما نراه يوميا بات يشبه بعضه بعضا، ولكننا لو أمعنا النظر لما يجري وجرى حولنا خلال فترة وجيزة، سنجد تشكيكا بكل ما تقدم عليه الحكومة، فالحكومات للأسف غير مصدقة، وثمة علامات سؤال عما تقوم به حتى لو قالت ان الشمس تشرق من الشرق، ستجد من يعاندها ليقول لها لا ويشكك بها! فلماذا لا تصدق الحكومات؟ ولماذا فقد رجل الدول هالته وحضوره؟
المشهد سريالي بامتياز، وكرة الثلج تكبر وتتوسع، وحجم التشكييك يصل لكل مناحي الحياة حتى بات يؤثر على سيرورة الاوضاع القائمة ويدفع الامور الى نقطة صعبة ومشهد لا يسر، والتحرك للمعالجة ببطء ولا يرتقي للمستوى المؤمل، والمعالجة المقصودة هنا لا تعني ابدا العنف والقمع والتضييق، وانما الذهاب باتجاه اطلاق سيادة القانون وعدم الانتقاء في تنفيذه، والشروع بدولة حضارية حديثة عنوانها العدالة والمواطنة والمدنية، والديمقراطية وحقوق الانسان، وحقوق الانسان وبرلمان قوي ونائب يعرف واجباته ويعرف ادواته الدستورية.
ثمة مشكلة، دعونا نعترف بذلك، وثمة فقدان ثقة هذا بات واضحا وجليا نلمسه في كل منعطف، بيد ان علينا معرفة السبب الذي اوصلنا جميعا لذلك، وكيف يغيب العقل والمنطق وتحضر الشعوبية وتتجلى، من اوصلنا لنقطة اصبح من يفكر بعقل وفكر ينزوي بعيدا عن المشهد؟، فهو ان شارك يتهم بالشعبوية وان انتقد يكون وصوليا متسلقا يحابي الحكومة واجهزتها!.
هناك خلل رافقنا منذ سنين، وكرة ثلج وجدت من يرعاها ويحميها ويمنحها القوة والقدرة حتى بتنا غير قادرين على ايقافها، وهناك بيروقراطية ساهمت في تجذير الامور وتعقيدها، وواسطة ومحسوبية أوصلت من لا يستحق الى اماكن لا يجوز له ان يكون فيها، وجهاز اداري بات متهلهلا لأقصى درجات الهلهلة، وطاقات تضيع بلا فائدة واموال تصرف دون وجه حق.
للأسف هناك من منح اولئك الذين نراهم يوميا عبر فضاءات العالم الافتراضي وفي الشارع، قوة، وحماهم فترات طويلة، وجعلهم اتكاليين يحصلون على ما يريدون دون وجه حق، وعندما تغيرت الامور وبات ذلك صعبا ومتعذرا انقلبوا يبحثون عما كانوا يرونه حقا مكتسبا لهم، ويدافعون عن مزايا حصلوا عليها بعيدا عن سيادة القانون والمواطنة والعدالة، فبات المشهد لا يمكن توصيفه لو استحضرنا كل قواميس المصطلحات السياسية ولو احضرنا عمالقة الفكر.
أولئك ليس لديهم برنامج سياسي واضح، ولا مطالبات يريدون تحقيقها، حتى نستطيع الحكم على سلوكياتهم، فهدفهم القول نحن هنا وكفى، فالشعارات لا تصنع ساسة، والخطب الرنانة لا تصنع معارضة ناضجة، والتحشيد لا يصنع موقفا يمكن الالتفاف حوله.
علينا وقبل ان نلوم اولئك، ان نلوم من مكنهم من فعل ذاك، ومن اقنعهم ان لهم حقا والآخرين لا حقوق لهم، ترى من زرع في أولئك تلك الافكار التي نرى نتيجتها في المشهد الحاضر.
لا يجوز ان تبقى الامور كذلك ونحن في بدايات المئوية الثانية للدولة، فالمئوية كما هي احتفال، فهي ايضا رؤية مستقبلية نريد ان نساهم جميعا في انجازها، فالمئوية تعني مزيدا من الديمقراطية والعدالة والمشاركة الشعبية في صنع القرار، واحزاب ونقابات قوية وجامعات لا واسطة او استثناءات فيها، وإعلام يعرف ما يريد، كما تعني مواطنة وعدالة وحقوق انسان، وبرلمانا قويا ورجال دولة يعرفون واجباتهم وحكومات غير مرتجفة.