قصص ما قبل النوم.. هل باتت عادة “مهجورة” يفتقد لها الصغار؟
جفرا نيوز - تحمل قصص ما قبل النوم للأطفال بين ثناياها الدفء والأمان والسعادة، وتسمح لهم بإطلاق العنان لخيالهم وتصور الأحداث بعفوية كما تراها براءتهم. استمتاعهم بالأجواء المرافقة للقصة هو ما يعنيهم، لكونهم يشعرون بالتصاقهم فعليا بوالديهم ويعزز لديهم الإحساس بالانتماء داخل أسرهم.
تلك القصص، تجعل الصغار أقدر على طرح الأسئلة التي تشغل بالهم، وتؤكد فهمهم العميق لأطوار القصة، إضافة إلى أن الاستماع للقصة قبل النوم يحفز شعور الثقة بالنفس ويمنح فرصة للطفل في التعبير عن مشاعره، ما يؤدي للانفتاح بينه وبين والديه فتكون العلاقة بينهم قوية.
وسواء كانت هذه القصص من وحي الخيال أو الواقع، ففي كلتا الحالتين تعد وسيلة تعليمية وتربوية ممتعة للأطفال تغرس فيهم القيم الأخلاقية وتوسع آفاقهم الفكرية. لكن مؤخرا وبسبب الأحداث السريعة والمتوترة الحاصلة في العالم يبدو أن هذه العادة باتت مهجورة، فقد أصبح الآباء والأمهات أكثر ضجرا وتوترا وخوفا ولم يعد لديهم القدرة على مداراة أبنائهم والاهتمام بهم كما يجب، فكثرة الأخبار المقلقة حولهم، كفيلة بأن تشغلهم وتبعدهم عن أنفسهم وعن عادات كثيرة كانت تعني لهم الكثير.
الثلاثينية حنان سالم تجد نفسها مقصرة مع طفليها، وخاصة أنها أهملت الكثير من الطقوس التي كانت تتشاركها معهما يوميا. تقول "قبل ظهور أزمة كورونا كنت حريصة على سرد القصص لهما قبل النوم”، وكانت سعادتها بذلك كبيرة إضافة إلى أن هذه العادة ساعدتها على تربيتها طفليها وتوصيل المعلومات والرسائل لهما بشكل أسرع وأسهل.
وبالنسبة لتأثيرها الإيجابي على الطفلين، تبين حنان أن الفرحة التي تراها على وجه طفليها عندما تخبرهما بأن وقت قراءة القصة حان، لا توصف أبدا، وهذا يعطيها الدافع لكي تواظب عليها باستمرار، وأيضا تنتقي لهما ما يشد انتباههما ويحرضهما على الإصغاء وتصور الأحداث، لافتة إلى أنها تركز على أن تكون القصة ذات معنى فيها عنصر التشويق والمغامرة، إضافة إلى إعطائهما الفرصة للتفريق بين الخير والشر مع تأكيد ضرورة الابتعاد عن العنف والقسوة.
وتنوه إلى أنها تستعين بالقصص التي تناسب عمرهما، وكذلك تحرص على أن تكون الصور والرسومات فيها قليلة جدا حتى تسمح لهما بأن يتخيلا ويطرحا الأسئلة، وهنا تكمن أهمية دورها في إيجاد إجابات مقنعة تتواءم مع تفكيرهما. أما اليوم وبعد الأحداث المتلاحقة والمتوترة الناتجة عن تفشي فيروس كورونا في العالم، تشعر حنان بأنها باتت بعيدة عن طفليها ليس لديها ذلك الجلد لكي تتعرف إليهما وتفهم كل ما يدور برأسهما من تساؤلات. وهذا بالطبع انعكس سلبا على إحساسهما بالأمان الذي بدآ يفتقدانه تدريجيا.
أما الطفلة يارا عمران ذات العشر سنوات، فهي أيضا تفتقد جدا للوقت الذي كانت تقضيه برفقة والدتها، ولتلك القصص التي كانت تسردها على مسامعها قبل النوم. تقول إن كثرة المشاغل وزيادة الأعباء الملقاة على كاهل والدتها من تنظيف البيت ورعاية إخوتها الصغار وتربيتهم وكونها أيضا موظفة، كل ذلك حرمها الاستمتاع بأجواء قصة ما قبل النوم، والطمأنينة التي كانت تتسلل إلى أحلامها. وتبين أن والدتها ومنذ سنة تقريبا لم تعد تقرأ لها القصص، مبررة بأنها كبرت على تلك العادة، ولم تعد بحاجة لأن ترافقها للنوم.
لكن هي كطفلة لم تستوعب ما قالته والدتها فاختارت أن تصمت وتكتم ألمها حتى لا تزعج والدتها. يارا بقيت تشتاق لتلك الأوقات التي كانت تجمعها بوالدتها كل ليلة لكن دون أن تصارحها بذلك، هي فضلت أن تحتفظ بتلك المشاعر التي كانت تعيشها أثناء قراءة القصة وتلمسها الحنان والدفء والقرب بذاكرتها.
الاختصاصية النفسية أسماء طوقان، ترى أن أغلب الاطفال بطبيعتهم يرفضون التوجيه، وتلقي الأوامر بشكل مباشر سواء داخل نطاق الأسرة أو خارجه، ولكن يمكن للوالدين تقويم سلوك الطفل من خلال سرد القصص له، والتي تعد من أهم الأساليب في تربية الطفل وتنشئته بشكل سليم سواء من الجانب النفسي أو من الجانب الجسدي.
ووفق طوقان، فإن القصة من أقوى عوامل الاستثارة والجذب للطفل والتأثير فيه قد لا ينحصر على وقت سماعه القصة أو قراءته لها، بل يتجاوز الى تقليد الأحداث في حياته اليومية، وقد تساعده على التعبير عن مشاعره وعما يدور في داخله وتزيد من ثقته بنفسه وتكسبه القدرة على حل مشاكل حياته اليومية، وتوقع أفعال الآخرين وفهمهم بشكل أفضل.
وللقصة دور مهم وفعال في النمو الانفعالي للطفل، حيث يمكنه التمييز بين الشر والخير من خلالها والخوف والشجاعة والصواب من الخطأ والحكمة والأخلاق الحميدة والصفات الحسنة وتزيد من الترابط في علاقته بوالدته أو والده وتماسكها وتكسبه مهارات التواصل والحوار بشكل فعال ومتقن، ويتم استخدام أسلوب العلاج بالسرد القصصي للأطفال الذين يعانون القلق بأنواعه المختلفة والاكتئاب وتدني تقدير الذات والخجل الاجتماعي لما له من تأثير إيجابي يرسخ في عقل الطفل، بحسب طوقان.
وتلفت إلى أنه من الناحية الجسدية، للقصة دور كبير في النمو العقلي للطفل، حيث تقوم بتطوير العمليات العقلية المختلفة التي تبدأ بالمستوى الحسي الحركي ثم الذكاء والتركيز والذاكرة والتفكير والتخيل، فالخيال له دوره المهم في تنمية الحس الإبداعي، فعند سماعه أي قصة يقوم برسم الشخصيات بمخيلته والأماكن والملابس، فكلما سمع شيئا رسم له صورة في مخيلته.
وعلى الأم قراءة القصص التي تساعد الطفل على توسيع مدى خياله وتنمية قدراته بشكل إيجابي مع مراعاة استخدام تعبيرات الوجه والحركات وتغيير نبرة الصوت، ولتحقيق الهدف بشكل أكبر من القصة ينبغي سؤاله عن توقعاته بالأحداث في القصة بعد كل جزء منها والسماح له بطرح الأسئلة، والابتعاد عن المبالغة في الخيال بالقصص أو الكذب لاكتساب ثقة الطفل، واختيار القصص التي تحتوي على تحفيز السلوك الإيجابي والتركيز على ما ترغب الأم بتقويمه لدى طفلها بشكل غير مباشر والابتعاد عن قصص الرعب التي تثير الخوف والقلق عند الأطفال واختيار نوع القصة الذي يناسب لكل مرحلة. فالأطفال بعمر 3-6 سنوات يفضلون القصص التي تحتوي على الحيوانات والمواقف المضحكة، أما الأطفال من عمر 6-10 سنوات فيفضلون القصص التي تحتوي على الإثارة والمغامرة، والأطفال من عمر 10 سنوات فأكثر يفضلون القصص الواقعية.
الكاتبة والمتخصصة بشؤون الأطفال، ديما الرجبي، تذهب الى أن الصغار يعتمدون في فهم محيطهم على خيالهم اللامحدود، لذلك جرت العادة منذ أيام الجدات أن يروين لهم قصصا قبل النوم لتحفيز مخيلتهم على اكتشاف عوالم جديدة، وكي يتنعموا بأحلام سعيدة، حيث إن اللاوعي يخزن الذاكرة الصوتية ويترجمها على شكل أحلام أو كوابيس.
وتكمن أهمية قصص الأطفال وقراءتها قبل النوم بتحسين مزاج الطفل وإشعاره بالأمان، ورفع مستوى ذكائه العاطفي والذهني، خاصة عند قراءة القصص التي تحتوي على صور ملونة كبيرة، وتعد هذه العادة المهجورة من أهم العادات لتوطيد علاقة الآباء بأبنائهم من خلال هذا الوقت الذي يسمح بالتواصل النفسي ويمد الطفل بالأمان.
ب
لكن يبدو أن هذه العادات الجميلة بدأت بالاندثار نظرا للتغير الكبير الحاصل في العالم، خاصة بما يخص التكنولوجيا واهتمام الأبناء بها وهو ما يبعدهم عن هذه العادات المحببة، وينصح دائما بأن يكون هناك وقت عائلي يقرب الأبناء من الحياة الأسرية الطبيعية بعيدا عن عالم التكنولوجيا وإعادة إحياء عادة قراءة القصص قبل النوم لأطفالنا من الأمور المهمة لتحقيق هذه الغاية.