فِي الذّكْرَى الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ لرحيل الْأَخ الْغَالِي نَبِيل " أَبَا يُوسُفَ " رَحِمَهُ اللَّهُ
يَا غالِي يَا نَبِيلُ يَا أَنْبَل الْبَشَر ؛ سَنَوَات تطوي سَنَوَات .
أَخِي نَبِيل لَيْس هُناك أَشَدّ قسوةً وألماً عَلَى فِرَاقَك ، فَقَدْ كُنْتُ الصِّدِّيق والأح وَالْأَقْرَب لروحي ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَوْتَ حقٌ عَلَى كُلِ إنْسَانٌ ، إلَّا أنّهُ الأَقسَى والأصعب والأفجَع عَلَى النفسِ ، وَلَا يَبْقَى لَنَا سِوَى تِلْك الذِّكْرَيَات الَّتِي كَانَتْ تجمعني بِك .
ولتعرف يَا أَخِي وَيَا صَدِيقِي وَأَنَا اناجيك أَن نِهَايَةٌ الْعَالِمِ أَنْ يموتَ كُل جَمِيل ، وَإِن نصحوَ ذاتَ صباحٍ وَلَا نَجِد ذَلِك الْأَخ وَالصَّدِيق الَّذِي كَانَ أقرَب النَّاس إليّ .
يإلهي لَقَد اشعرني فِرَاقَك بِنِهَايَة الْعَالِمُ حِينَ فارقتني رُوحَك الْعَزِيزَة ، لِمَاذَا يَا صَدِيقِي ذَهَبَت بهذهِ السُرعة ، لحظاتٌ وَكَأَنَّك لَم تكُن هُنا ، كَأَنّك لَمْ تأتِ وَلَم أَعْرِفُك ، وَكَأَنَّك لَمْ تَدْخُلْ إلَى هذهِ الدُنيا ، الْمَنِيّ فُراقَك يَا نَبِيلُ ، كُلَّ لَيْلَةٍ وَكُلّ سَاعَة تَأْتِيَنِي ذِكرياتُك ، فِي لمحِ الْبَصَر تَمُرُ كُل الْمُشَاهَد دَفعةً وَاحِدَة ، وَلَا أَدْرِي هَلْ تتسابق لتواسيني ، أَم أَنَّهَا تَخْشَى مِنْ أَنَّ تطولَ لحظاتِ الْأَلَم فتقتلني .
لَا أَدْرِي هَلْ رَمَانِي الْقَدْرِ فِي طريقِك لَا أَتَعْرِف عَلَيْك وابكيك كُلّ هَذِي السِّنِين ، أَم أَنَّه رِمَاكٌ فِي طَرِيقِي لِتَزِيد مِن عَذَابِي وَالْأُمِّيّ .
لَا أَدْرِي بِمَا أعزي بهِ نَفْسِي ، سَنَوَات مَضَت سَنَوَات رهيبةٌ مَرَت عَلِيّ كَأَنَّهَا بِثِقَل الْجِبَال وَالْعَالَمُ كُلُّهُ يجثو عَلَى صَدْرِي وَيَا تُرى يَا نَبِيلُ وَهَا أَنْتَ فِي الْعَالَمِ الْآخَرِ مِنْ هَذَا الْعَالِمُ هَل سألتقي بِك ؟ .
يَا لِهذا الْعَالِم ، وَيَا لِهذهِ الدُّنْيَا ، انْقَطَعَتْ عَنْهَا وتقطعنا عَنْك ، أدعوَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ مِن أهلِ الْجَنَّة .
أفتَقِدُكَ كثيراً يَا نَبِيلُ ، يَا أَرقُ وأَنقى قَلْب عرفتُه ، أَنَا أَتَأَلَّم كُلَّمَا اتذكرك ، وَابْكِي بِلَا صَوْتٍ ، نارٌ فِي صَدْرِي بِلَا لَهب وَقُودُهَا ذِكراك .
وَهَا هِيَ سُنَّةٌ تِلْو أُخْرَى يَطْوِي الزَّمَن حِقْبَةٌ مِنَ الْعُمْرِ كُنْت فِيهَا مِنْ أَنْبَلُ الْبَشَر ، وَالْيَوْم وَأَنَا أتذكرك فِي هَذَا الصَّبَّاح اتذكرها الوَاحِدَةُ تِلْوَ الأُخْرَى فِيهَا مِنْ الْخَوَاطِر وَالْحَبّ وَالْوَجَع مَا يُجْلَبُ الحُزْنَ والأَلَمَ وَطُول الرَّحِيل .
وَهَا هِي الذِّكْرَى تَلُوح مِنْ بَعِيدٍ لِتَقُول مَا أَقْسَى الْفَقْد وَالرَّحِيل وكأننا فِي قِطَارٍ الْعُمْر نَمْضِي الْوَاحِدُ مِنَّا يُودِع الْآخَر ، يَنْزِل نَبِيل فِي محطته الْأَخِيرَة وَنَحْنُ مَا زِلْنَا نهرب فِي الْمَحَطَّاتِ ؛ لكِنَّنَا لَا ننساه وَلَا نهرب مِنْ تِلْكَ اللَّحْظَةَ ، لِأَنَّ لِلْمَوْتِ رَهْبَة وَالَم وَشُعُور حَزِينٌ بِالْفَقْد ، ذَهَبَت وتركتني وَحْدِي لِكَي ابكيك مَدَى الدَّهْرِ وأذرف الدَّمْعِ فِي ذِكْرَى الْوَدَاع ، لَقَد رَحَل الْأَخ وَالصَّدِيق الصَّدُوق وَرَحَل مَعَه الْإِخْلَاص وَالْوَفَاء ، وعزاؤنا أَنَّهُ تَرَكَ لَنَا إرثًا لَا ننساه فِي أَهْلِهِ وَأَحْبَابِه ونهجا فِي الْعَمَلِ وَالْإِخْلَاصِ نَسِير عَلَيْه .
رَحَلْت يَا نَبِيلُ وَتَرَكْتَنَا نُصارِع أَمْواج أَلْماسِي وذكريات الأَحْزَان ، وستبقى يَا نَبِيلُ نَبَع حبًا نرتشفه كُلَّمَا حَانَت ذَكَرَاه وَكُلَّمَا لَمَع فِي الْقَلْبِ اسْمُه .
رَحِمَك اللَّهُ يَا نَبِيلُ رَحْمَةً وَاسِعَةً ، وَنَم قَرِيرَ الْعَيْنِ فَمَا زِلْنَا نَعيش عَلَى ذكرياتك لَا ننساك ، وستظل ذكراك مَحْفُورَة فِي الْقُلُوبِ وَالْوِجْدَان .
وَلَا نُمْلَك إلَّا الدُّعَاءُ إلَى اللَّهِ أَنْ يلهمنا وَيُلْهَم أَهْلِك وذويك وَكُلّ محبيك الصَّبْرَ والسُّلْوانَ .
وَبَعْد ؛ نَقُول لنبيل مَا رحيلك بَعْدَ كُلِّ هَذَا الْعُمْرَ إلَّا إعْلَان كَبِيرٌ لَنَا بِأَنْ قِطَار الْعُمْر مَاض ، وَالْأَيَّام حُبْلَى وَالْقَدْر مَحْتُومٌ .
فلتبقى ذكراك مشعلًا نَذْكُرُه كُلَّ عَامٍ عَلَنا نُدْرِك مَرَارَة الْأَيَّام وقطار الْعُمْر كَيْف يَمْضِي سَنَةً تِلْو سُنَّةٌ .
رَحِمَك اللَّهُ رَحْمَةٌ وَاسِعَةً وَأَمَدّ فِي أَعْمَارِ كُلّ محبيك .
أَخُوك الْمُحِبّ
هَيْثَم الْقُضَاة