العدو تحت مرمى نيران جيشنا في الشيخ جراح.. من دفاتر الشهداء
جفرا نيوز - محمود كريشان
في البدء.. لن نطيل في البلاغة النص، لأن النص كتبه الأبطال في الفجر الجميل، وهم يمضون على درب الشهادة او النصر، عندما أذاقوا قطعان العدو الصهيوني طعم الرصاص الأردني العنيف، وقد أقسمنا بعدهم أن يبقى حاجز الدم بيننا وبين العدو.. إلى آخر الزمان.. وآخر الدم.. وصدى صوت القارىء يمتد ويصعد: «وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ»..
«الشيخ جراح» حكايتنا المكتوبة بالدم الأرجوان، وفارسها أحد شهداء قواتنا المسلحة الأردنية الباسلة، الشهيد الرقيب سند ناصر أخو صحينه الهقيش/ بني صخر من قرية أم الرصاص جنوب عمان، وقد عُثر عليه بعد سنوات من استشهاده وجسده الطاهر لم يتحلـَّل على أسوار القدس الشريف، وفي واحدة من معارك البطولة، التي خاضها نشامى جيشنا العربي الأردني المُصطفوي في 22/5/1948 ضدَّ العصابات اليهودية، وبعد حوالي تسع سنوات وتحديدا في نيسان 1957انكشف الجسد الطاهر الجميل، بفعل الأمطار ليكتشف أهالي المنطقة أن جسده الطاهر بقي على حاله لم يتحلـل، وبقيت ثيابه ولم تبلَ من أرض الرباط هدية، الى الأرض المقدسة فلسطين واستشهد 37 شهيدا، بينهم الرقيب الهقيش حيث دفن في المنطقة الغربية الجنوبية، من حي الشيخ جراح وجرت له مراسم دفن رسمية بحضور كبار علماء وأئمة المسجد الأقصى ورجال الدين، وقبره الى الآن في حي الشيخ جراح يحظى برعاية عائلة الخطيب المقدسية.
تشير المعلومات أن الشهيد سند أخو صحينة كان على مرتفع جبلي، وكان تبادل إطلاق النيران المدفعية والرشاشة ليل نهار في ذروته، ما بين الجيش الأردني والعدو، وبحسب شهود عيان أن الشهيد سند أخو صحينة قد أوقع ما يزيد عن احد عشر قتيلا من العدو، فقد عُرف عنه مهارته القتالية وخبرته العسكرية، ورغم محاولات العدو في الوصول الى هذا المرتفع الجبلي والسيطرة عليه لطبيعته الجغرافية، إلا أن جميع محاولاتهم فشلت، بسب النيران التي كانت تأتيهم من أعلى المرتفع الجبلي، وقد ظنوا أن مجموعات عسكرية أردنية تسيطر على أعلى الجبل، إلا أن بعد ثلاثة أيام متتالية من القتال الشرس، استطاع العدو النيل من الرقيب سند أخو صحينة من قبل القناصة، وكانت المفاجأة أن من كان يحمي المرتفع الجبلي وكبد العدو قتلى كان شخصا واحدا هو أخو صحينة.
وفي سياق بطولات جيشنا العربي، يقول احد جنود كتيبة الحسين المدرعة الثانية الثمانيني انيس قاسم محمد الطبر متقاعد من القوات المسلحة الاردنية وهو من قرية سيل الحارثية في جنين، إن الرائد الركن الشهيد منصور كريشان أبى إلا ان يخوض المعارك تلو المعارك، يعلن غضبا مكتوبا بنيران البواريد كلما دنس العدو الاسرائيلي كرامة حجر عربي وشرف زيتونه.. يسرج كتائبه لدحر قطعان جيش العدو الصهيوني عن ارضنا العربية، حتى صعد شهيدا، ليزف فوق ثرى قرية ام قيس في معارك الاستنزاف التي خاضها الجيش العربي الاردني في مواجهة العدو الصهيوني العام 1968، مشيرا الى ان طائرة اسرائيلية مقاتلة نوع «سكاي هوك» استهدفت بصواريخها سيارة الروفر التي كانت تقل الشهيد كريشان. وأضاف، ان الرائد منصور كريشان وفي حروب الجيش العربي في الشيخ جراح ومناطق عدة من القدس، وأثناء اشتعال المعركة كان ينادي بأعلى صوته الهادر على الجنود في خنادقهم ويدعوهم للثبات وهو يصرخ قائلا: اثبت يا عسكري.. عرضنا.. مقدساتنا.. أرضنا.. ممنوع الانسحاب.. قاتلوا العدو الغاشم.. حي على الجهاد..
ولأن الشهيد كريشان كان وفيا للعقيدة والجهاد ومقاتلا عنيدا، بارادة صلبة يلين لها الصخر ولا تلين، فقد شمخ بكتيبته التي كان يقودها في معركة الدفاع عن القدس في حزيران 1967، وتصدى بعناد صاحب الحق للألوية الاسرائيلية المتقدمة، وتمكن من اعاقة تقدمها لمدة ثلاثة أيام، وقد استطاع حينها ابادة ثلاث كتائب هي عبارة عن لواء كامل من المظليين كان يقوده القائد الصهيوني مردخاي غور، ليفتك بهم، ويذيقهم نيران الرصاص الأردني، ولم يتمكن أي جندي صهيوني من دخول المدينة المقدسة إلا على أشلاء كتيبة الحسين الثانية التي لم يتبق منها إلا 43 مقاتلا من أصل 500 مقاتل، حيث اطلق على هذه الكتيبة لقب «أم الشهداء».
وفي هذا الجانب ورد في صحيفة الهلال العام 2006 مقابلة للزميلة فادية العتيبي مع الشيخ عادل شفيق المحاميد ابن شقيقة الشهيد كريشان، وهو من الأشخاص الذين عاشروا الشهيد، قال فيها انه واثناء خوضه لمعركة المكبر في القدس ونظرا لعدم وجود اسناد للكتيبة، التي عانت انذاك من قلة العتاد، اضطر للانسحاب بجنوده مرغما، امام قوة العدو الضاربة والتي تفوقهم اضعافا، تحت ضغط زملائه خاصة أنه كان راغبا في الشهادة ويسعى لنيلها، في أي معركة يخوضها، إلا أنه وبعد عودته، بادر زملاؤه في الجيش بتهنئته لعودته سالما، لبلده وأهله، ليرد عليهم متألما، وحروف تحشرجت في حلقه «اي سلامة تلك التي تهنئونني فيها..فالقدس راحت»،،.
وبالطبع فان الصهاينة لم ينسوا الدماء التي سالت نتنة من قطعان جنودهم على يد الفارس الشهيد كريشان، وهو يصد مع جنوده هجوم المظليين الصهاينة على بلدة قلقيلية العام 1956 وكان حينها برتبة ملازم أول وقد الحق بهم افدح الخسائر في ارواحهم
ومعداتهم، ليتربصوا به غدرا ومكرا معهودا بهم في درة الأردن «ام قيس».
شرف نيل الشهادة كانت امنيته التي طال انتظارها، وسعى بروحه الجعفرية لنيلها، فقد سمع الرائد الركن كريشان تلك النبوءة من مفتي الكتيبة التي فسرها له بعد أن روى ما رآه في المنام، فقد كان الشهيد البطل وكما يقول نجله ناصر دائم الحلم بأن ينال الشهادة ويدعو الله تعالى بذلك عقب كل صلاة كان يؤديها كونه كان مواظبا على الصلاة وتلاوة القرآن، حيث رأى في إحدى المرات في منامه رؤية فقام مفتي الكتيبة بتفسيرها له بقوله «ستنال الشهادة بإذن الله»..وبالفعل استشهد ونال الشهادة باذن الله.
Kreshan35@yahoo.com