"الصوت الواحد" إذ يعود فجأة كخيار إنقاذي؟!
جفرا نيوز- كتب عريب الرنتاوي
فجأة ومن دون مقدمات، يستعيد نظام "الصوت الواحد" روحه من جديد، ويظهر كمخرج من استعصاء الانتخابات وتواضع نتائجها، مع أن إجماعاً أردنياً تبلور على مدى عقدين من الزمان، أو أزيد قليلاً، ينسب لهذا النظام، ضعف برلماناتنا و"فردانيتها"، وتحولها إلى منصة خدمية، ناهضة على "الزبائنية"، إن في علاقة النائب بالدولة، أو لجهة العلاقة بين النائب والناخب، وهي علاقات مفتوحة على مختلف صور الفساد والإفساد، ومُفضية إلى تعظيم دور "المالي السياسي"، ومُتسببة في تنمية الهويات والولاءات الجهوية والمناطقية والعشائرية، على حساب المواطنة، الفاعلة والمتساوية، وتخصم من رصيد الهوية الوطنية الجامعة.
دولة سمير الرفاعي، لم يجد سوى تجربة أعرق الديمقراطيات في العالم، لاستحضارها في معرض الدفاع عن النظام سيء الذكر: بريطانيا تنتخب بالصوت الواحد، لكأننا أمام كشف جديد، مع أن هذا النقاش، استُهلك واستُنفذ طول أزيد من عشرين عاماً...ودولة فيصل الفايز، يستحضر السياق الثقافي الأردني للوصول إلى النتيجة ذاتها...لا ينطق الرجلان عن هوى، وربما تعكس تصريحاتهما في استهلال جولات الحوار الذي تقوده السلطة التشريعية، ما يدور خلف أبواب مؤسسات صنع القرار...الأمر الذي لا يبعث على التفاؤل بأننا قررنا السير على طريق مغاير للطريق الذي خبرناه واختبرناه جيداً، ولمسنا لمس اليد، ثماره المرة.
قبلها كانت مشاعر التفاؤل، تتبدد مع تكاثر التسريبات والتلميحات الخاصة بمشروع قانون الإدارة المحلية الجديد، إذ بدل تطوير تجربة اللامركزية، نرى أننا نسير في اتجاه مغاير، من إلغاء المجالس المحلية، وإلغاء انتخاب مجالس المحافظات، والاستعاضة عنه بتجميع رؤساء البلديات المنتخبين، إلى جانب شخصيات يجري تعينها لاستكمال سيطرة المركز على الأطراف، وزيادة منسوب التحكم بعمل مجالس "اللامركزية" ومخرجاتها.
لقد تفاءلنا بـ"تسريبات" تحدثت عن "ورشة إصلاح كبرى" يجري إنجاز وظائفها على أرفع المستويات، وخلف أبواب مغلقة، وبما يشبه "الاختراق"...وكنّا أقرب لتصديقها، بفعل "نزعة رغائبية" متأصلة، تريد أن ترى مؤسسات صنع القرار وقد تعلمت درس "الفتنة" جيداً، وقررت قلب "التحدي" إلى "فرصة"، لكن يبدو أننا نحن الذين لم نتعلم، إذ يظل يحدونا الأمل دائماً بـ "عودة الوعي"، وإن في اللحظة الأخيرة قبل فوات الأوان، مع أن كثير من رهاناتنا وآمالنا، سبق وأن تبددت وطاشت أسهمها...لا شيء يشي بـ"الاختراق"، ويبدو أننا أمام مزيد من الخطوات التجميلية، لا أكثر، وغالباً تحت سقف الـ "Fine-tuning”.
من الواضح أن أنصار نظرية "كلفة الإصلاح أعلى بكثير من كلفة الستاتيكو"، ما زالوا محتشدين في مؤسسات صنع القرار في الدولة، ويبدو أنهم لم يتخلوا عن مخاوفهم وهواجسهم، التي حكمت صياغة قوانين الانتخاب منذ العام 1993، وفي مقدمها هواجس الديموغرافيا والإسلام السياسي...أما البحث الجاري، فيدور على ما يبدو، حول أنجع المبررات والذرائع، لإبقاء القديم على قدمه.
إيها السادة، لسنا بحاجة للعودة إلى قانون 2013، مع زيادة طفيفة في أعداد المقاعد المخصصة للقوائم الوطنية، والمؤكد أن آخر ما نريده ونحتاجه، هو إحياء "الصوت الواحد" وهو "رميم"...لسنا بحاجة لـ"كوتا حزبية"، بل لنظام يلحظ محورية دور الحزب في الحياة العامة، وينشئ برلماناً قائماً على التعددية الحزبية...لسنا بحاجة لتحسينات طفيفة على قوانين عامة، غير محصنة دستورياً، الإصلاح السياسي يتحصن بإصلاحات دستورية تصونه وتديمه...لسنا بحاجة للتعامل بنظام "القطعة" مع قضية الإصلاح، فالإصلاح بحاجة لرؤية شاملة ومتكاملة، تصبح معها التعديلات على قانون الانتخاب أو الأحزاب، من باب تحصيل الحاصل، بخلاف ذلك نكون قد أرجأنا الأزمة، من دون أن نُفلح في حلها، نحن الذين أخفقنا في إدارتها.