الفايز يصادق على رأي الروابده، ماذا بعد ؟

جفرا نيوز - فايز الفايز

لو كنت ناصحا لصاحب القرار لطلبت أن نطوي صفحة المئوية الأولى سياسيا ولنبدأ منذ انتهينا اليوم، دون الانتماء الى الماضي الذي لم يحترم البعض تاريخه وإنجازاته وصفحاته التي أعجزت أهل البحث والتمحيص بحثا عن تلك الإرادة الجبارة التي أسندت عصب الدولة الأردنية عبر بحر متلاطم من القلاقل والنوازل والعدائية والمنافسات الممتدة حزبيا وحركيا مع دول الجوار،إذ بقي الأردن الصغير بمساحته الكبير بشعبه ونظامه متماسكا متراصّا يواجه التحديات الداخلية أمام صراع الدّيكة، فكلما سقط ديك سجل النظام الأردني موجة تعلو به أكثر،ويعود الفض? للإنتماءات الحزبية المتعددة عند النخبة السياسية القديمة كمنهج لتوصيف الدولة المنشودة.

هنا أزعم أن هناك قلة من أصحاب القيادة والفكر السياسي الحقيقي يمكننا أن نلصق لهم تهمة حمله لفكر حزبي فكري عقائدي رائد، وكثير ممن نرى ليسوا سوى عابرين للمناصب دون أن يسجلوا بصمة على جدار الإنجاز سياسيا واقتصاديا، حتى أصبحت الأغلبية موظفين ينتظرون قرار الإحالة ثم يذوبون كالملح في كأس الماء،ثم فجأة نريد العودة لحقبة الخمسينات الذهبية، لنؤسس مجددا حركة نهضة سياسية يتقدمها قوانين الانتخاب والأحزاب والإدارة المحلية والإصلاح السياسي والأحلام الكبيرة في أسوأ ظرف عالمي، إذ لا يمكن الدخول للعصر الجديد بأدوات قديمة.

من بين مسؤولي الدولة يخرج رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز ونوابه ليدعون الى ما سبق ذكره من آمال لإحياء تلك النهضة التي سمعنا بها حينما ألصقت بحكومة الرئيس عمر الرزاز،ولم ينهض منهم أحد، والطريف في الأمر أن الفايز اعترف أخيرا أن تجربة اللامركزية قد فشلت وأن العودة الى مركزية البلديات هي المُخلّص، ولو سمعنا جيدا للرئيس عبدالرؤوف الروابدة قبل سنوات عن رأيه في مسألة اللامركزية وتمت مناقشتها بهدوء وإحاطة بعناصرها ومواطن الفشل أو النجاح لوفرنا على البلد كل ذلك العناء وتلك المزالق التي ذهبت مخصصاتها هباءً،وبهذا يصاد? الفايز على رأي الروابدة بعد الفوت.

الدولة الأردنية تحتاج اليوم الى مشروع يستوعب المستقبل الذي تركنا خلفه، مشروع متطور عما سبق من نظريات تقالبت علينا منذ بداية منتصف الستينات، ومع إيماننا بأن عقل الدولة في تلك الحقبة وإن كان عرفيا فقد حمل مشروع الردع بلا توصيف ولكنه نهض باقتصاد الأردن ودعم استقراره بذكاء وحنكة ألزمت دول العالم على اختلاف وخلافاتها وتكتلاتها السياسية العميقة بالتعاون ودعم صمود الأردن، وكان من حظ الأردن وقيادته آنذاك أن كل عقد يأتي بموجة سياسية خارجية ترفعه الى أعلى.

اليوم عندما تعود المرجعيات السياسية الى البحث بين ألسنة الشباب الذين لم يُمنحوا الفرصة للتجربة الحزبية أو تقديم وجهة نظر حول قوانين الانتخاب الأشبه بالطائرات الورقية التي ترفعها الرياح، وتحاول القيادات للوصول الى ما أمكن من إبراء الذمة السياسية لإرواء ظمأ البعض ممن يبحثون عن دور جديد في ملاعب الحكومات ممن يقدمون أنفسهم على أنهم مُخلصين وأنهم الأحرص على المصلحة الوطنية مع الإحترام لذواتهم التي لا نعرفها، فإن الحقيقة الساطعة هي أنهم لا يملكون تصورا، وأن هذا الدور مناط بالحكومة مباشرة لتقوم بطرح سيناريوهات لم?ودات القوانين تلك وتعرضها على الجمهور للاستفتاء عليها والأخذ برأي الجميع لا بمن نحب ونقطع.

في تاريخ الولائم الأردنية لم نسمع أن الداعي يطلب من المدعوين أصناف الطعام الذي يحبونه،بل يأتي الجميع ليأكل ثم يشكر،ولو طلب تصنيف رغباتهم لجلس عشر سنوات وهو يوزع الأطباق بينهم،أما عن الجهوية والفئوية فقد تأصلت في وطن يحمل فسيفساء اجتماعية لها خصوصيات قد لا يفهمها الراقدون في مناصبهم، ما يشي بطرد سياسي للبعض.