تونس تعود للتفاوض مع صندوق النقد الدولي مدفوعة بوضع اقتصادي صعب
بعد سنوات من الصعوبات الاقتصادية وسياسة إدارية قصيرة المدى فاقمت تداعيات جائحة كورونا الأزمة في البلد الصغير في منطقة شمال إفريقيا بعد أن تجاوزت ديونه الخارجية سقف 100 مليار دينار (نحو 30 مليارات يورو) أي ما يفوق 100% من إجمالي الناتج الداخلي.
وتونس مطالبة بسداد ديون قيمتها 4,5 مليارات يورو خلال العام 2021.
كما أنها بحاجة إلى 19 مليارات دينار (حوالي 5,7 مليارات يورو) للإيفاء ببنود ميزانيتها للعام 2021، في ظل أزمة اجتماعية واقتصادية مع تراجع كل المؤشرات.
فقد سجل الاقتصاد التونسي خلال 2020 تراجعا تاريخيا للناتج الداخلي الخام ناهز 8,9 في المئة.
يقول الخبير ووزير الاقتصاد السابق حكيم بن حمّودة "تنضاف تداعيات الجائحة إلى عجز القطاع الحكومي المتزايد منذ عشر سنوات وإلى نظام تنموي يعتمد على يد عاملة بخسة" ولم يعد يلبي الاحتياجات منذ تسعينيات القرن الماضي.
ويضيف بن حمّودة أن الوضع "مقلق للغاية".
يقدر صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد التونسي سيسجل نموًا بنسبة 3,8% خلال 2021، لكن استمرار الجائحة قد يلقي بثقله على نهوض الاقتصاد ويؤخره.
يزور وزير المالية على الكعلي واشنطن خلال الأسبوع الحالي برفقة وفد من المستشارين ومحافظ البنك المركزي لمباشرة مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد وعقد لقاءات مع ممثلين عن البنك الدولي ومسؤولين في الإدارة الأميركية الجديدة للحصول على دعم للقرض.
وأفاد مكتب رئاسة الحكومة وكالة فرانس برس الأحد أن تونس تأمل في خط تمويل في شكل قروض على ثلاث سنوات ستناقش قيمتها خلال المفاوضات.
حصلت تونس بعد الثورة في العام 2013 على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 1,7 مليار دولار على سنتين، وفي 2016 على 2,8 مليارات دولار على أربع سنوات.
وتوقع المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة عبد السلام العباسي لوكالة فرانس برس أن تحصل تونس بموجب الاتفاق الجديد على 3,3 مليار يورو للعام 2021 من صندوق النقد الدولي بشكل أساسي وكذلك من مانحين دوليين ومستثمرين.
- احتقان اجتماعي -
في المقابل، لم ترشح معلومات بخصوص ملف الإصلاحات التي ستعتمدها تونس وخصوصا تلك المتعلقة بالميزانية العامة مقابل تلك المساعدات، علمًا أن جزءًا كبيرًا من تلك التي أدرجت في إطار الخطط السابقة لم يتحقق، بدءًا بتحسين إدارة المؤسسات العامة.
وقعت الحكومة نهاية آذار/مارس على اتفاق مع الاتحاد العام التونسي للشغل (النقابة العمالية المركزية) للشروع في مخطط اصلاحات يشمل سبع مؤسسات حكومية من بينها "الخطوط الجوية التونسية" و"الشركة التونسية للكهرباء والغاز".
ويقول العباسي إن الحكومة "تريد اعادة هيكلة الشركات العامة الاستراتيجية وتمويل ذلك من خلال التنازل عن حصصها الصغيرة في شركات غير استراتيجية".
لكن أكثر الملفات الساخنة اجتماعيا هو صندوق الدعم الذي يدعم أسعار النفط ومئات من المواد الأساسية كالخبز والحليب والسكر.
دعا صندوق النقد الدولي في السابق الحكومة التونسية الى تغيير سياسة منظومة الدعم وجعلها مخصصة فقط لمن يحتاجها من المواطنين. ومنذ 2020، وضعت الحكومة نظاما لمراجعة أسعار البترول أفضى الى زيادات متكررة مؤخرا.
واعتبارًا من الربع الثاني من هذه السنة، تتجه الحكومة الى تغيير نظام الدعم تدريجيا وعلى مدى سنتين وتوجيهه للفئة الاجتماعية المستهدفة من خلال مساعدات مالية مباشرة.
"السيناريو اللبناني"
لكن زيادة أسعار المواد الأساسية مسألة حساسة جدًا في ظل الاحتقان الاجتماعي ويُخشى أن تؤدي إلى احتجاجات على غرار ما حصل في العام 2018 حين حركت إجراءات التقشف التي تم تبنيها في تلك السنة حالة من التعبئة القوية ودعوات من المجتمع المدني لإعادة جدولة الديون بدلاً من الاقتراض مرة أخرى.
أكد رئيس الحكومة هشام المشيشي السبت أن "هذه المحاولات لانقاذ الاقتصاد الوطني هي الفرصة الأخيرة"، مشددا على ضرورة الوحدة الوطنية للخروج من الأزمة، في حين لا يوفر المشهد السياسي المجزأ والصراع القائم بين الحكومة والرئاسة والبرلمان مناخا مناسبا أو يتيح الوصول الى توافقات يطالب بها المانحون الدوليون كشرط أساسي.
ولا تقترح الحكومة إمكانية تخفيض فاتورة رواتب القطاع العام التي تتجاوز 17% من إجمالي الناتج المحلي ويعتبرها المانحون مفرطة، وتقترح بدلاً من ذلك تحسين أدائه.
ويبدي حمودة أسفه لأن صناع القرار التونسيين وبالتنسيق مع صندوق النقد الدولي وضعوا احترام أهداف الميزانية كأولوية، من دون تطوير إصلاحات هيكلية في موازاة ذلك لإنعاش الاقتصاد.
ومع أنه يرى أن اللجوء الى صندوق النقد الدولي أمر عاجل بالنظر الى الوضع الحالي، يحذر من أن "هناك خطرًا كبيرًا هو السيناريو اللبناني، حين لا تعود الحكومة قادرة على الايفاء بتعهداتها".
أ ف ب