تأخرنا.. فلماذا لا نبدأ؟
جفرا نيوز - كتب - جهاد المنسي
بات مسيطرا بشكل واضح ونحن نطالع أو نشاهد فضاءات التواصل الاجتماعي حالة انفصام يفوح منها كلام عنصري وطائفي وإقليمي وجهوي مقزز لم نعهده سابقا ولم تعتد آذاننا عليه في أوقات مضت.
تلك الحالة المقززة التي تقطر منها عنصرية وجهوية وإقليمية باتت تضرب يوميا، فما أن نفتح المتصفح الأزرق (فيسبوك) حتى نقرأ كلاما سيئا، علينا ملاحقة قائليه وعدم تركهم ينهشون ويتقولون ما يريدون، وآخرها ما قالوه وما رأيناه من تعليقات بحق بطل الملاكمة (راشد صويص) الذي توفي وهو في محفل كان فيه يرفع علم الأردن، أولئك الموتورون استفزهم رقص فلكلوري أثناء التشييع، فحضرت عنصرية بغيضة وطائفية دفينة، وعلينا عدم السكوت عنها وإنما ملاحقتهم قانونيا، فمثل أولئك لو تركوا بهذا الشكل سنعاين مشاكل جمة في أزمان مقبلة، ففكرهم لا يتناسب مع واقعنا المعاش، ولا مع جغرافية منطقتنا، ولا يتسق مع حالة التعايش التي تتفرد بها بلاد الشام (الأردن، فلسطين، لبنان، سورية)، وبالتالي فإنه بات علينا ملاحقتهم وعدم السكوت عنهم وتركهم يفعلون ما يريدون، فأولئك ينخرون نسيجنا، ويشكلون خطرا علينا، وتركهم دون ردع لا يستقيم.
لا تقف الأمور عند ذاك، وإنما يتواصل الأمر فنرى مقالات و(بوستات) كتابها ليسوا ذي شأن، تقطر إقليمية وطائفية وجهوية، وقتها نعرف أننا تأخرنا كثيرا، تأخرنا لدرجة أن الأمور بدأت تنساب من بين أيدينا، وباتت السيطرة عليها أكثر صعوبة من قبل، فنسأل أنفسنا لماذا السكوت على أولئك وغض النظر عنهم.
تأخرنا لدرجة أن وضعنا الاجتماعي تغير فبتنا نشهد حالات انتحار مرتفعة وقتلا بدم بارد، وعلى أتفه الأسباب، وأقلها قيمة، وبتنا نلمس تمردا على القانون.
تأخرنا فبتنا بحاجة لمراجعة جادة واقعية وحقيقية، شفافة وصادقة، للوقوف أمام مرآتنا ومسح ما تكلس فوقها من غبار لمعرفة من يريدنا أن نتأخر كل هذا الوقت؟ من يستفيد مما يجري؟ من يغذيه وينفخ في مزاميره؟ من يمنح أولئك صوتا عاليا ليقولوا ويكتبوا ويبثوا سموم طائفيتهم وإقليميتهم وجهويتهم؟، من يريد إبقاء الأمور كما هي عليه دون تطور أو تحرك أو تقدم للأمام؟!.
تأخرنا لدرجة أن صوت العقل يغيب، وتحضر الفزعة، وصوت العبثيين الذين لا يقدمون رؤية وإنما هدفهم ركوب الموجة وتسيد المشهد، تأخرنا لدرجة أن من يمتلك رؤية وبرنامج عمل وبرنامج إصلاح، يقف في نهاية المشهد، وفي آخر الطابور، فيما تتسيده شخصيات تجيد قنص الفرص وتتسلق في أي مكان يلوح لها.
تأخرنا في الإصلاح، فبتنا كمن يقف في منتصف السلم لا نملك قدرة على التقدم ولا عودة للوراء، تأخرنا حتى تسيّد المشهد أشخاص لا يملكون قدرة ومكنة لتنفيذ ما جاء في أوراق جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين النقاشية، ولتغطية عجزهم نراهم يضعون العصي في دواليب إصلاحنا فيظهرون خلاف ما يبطنون، ويخطبون بغير قناعتهم، ولا يستمعون لمن يقدم رؤية حقيقية، وإنما يريدون الاستماع لصدى صوتهم وهدير حناجرهم، ويساندون كل من يهاجم هذا وذاك لوقف أي تطور إصلاحي منشود.
وحتى نبدأ علينا الذهاب لإصلاح إداري أو ثورة بيضاء في الإدارة العامة بحيث تتغير الوجوه التقليدية التي أمسكت زمام الأمور خلال سنوات ماضية فأثبتت فشلها وظهرت عدم قدرتها على الإبداع، ولعل ما نمر به اليوم أكبر دليل عما تعانيه الإدارة العامة من مشاكل لوجستية، بوجود شخصيات مرتجفة لا تملك القدرة على التفكير والإبداع، أو تقديم رؤية منتجة.
وحتى لا نواصل تأخرنا علينا الذهاب لإصلاح في القوانين والأنظمة، وإصلاح سياسي بلا تفكير بعدد المقاعد التي سيحصل عليها هذا الطرف أو ذاك، إصلاح تحضر فيه الدولة وقوانينها وتغيب عنه كل واسطة ومحسوبية ويحاكم من يعمل به.