الحرية بعد طول انتظار لبحار سوري احتُجز على متن سفينة لسنوات
بدأت محنة محمد عائشة في عام 2017 حين احتجزت السلطات المصرية السفينة البحرينية "أم في أمان" التي خدم على متنها بصفته كبير الملّاحين لشهرين فقط، بسبب انتهاء صلاحية شهادات معدات السلامة.
وبعد معاناة مالك السفينة من ضائقة مالية، وبسبب وجود القبطان على البرّ حينها، عيّنت محكمة مصرية السيد عائشة باعتباره "الحارس القانوني" للسفينة، ومنعته بالتالي من مغادرتها إلى حين بيع السفينة أو العثور على حارس بديل.
وغادر بقية أفراد طاقم السفينة في عام 2019، مما جعل السيد عائشة الشخص الوحيد - في ما خلا زيارات خفر السواحل أحياناً -على متن سفينة من دون كهرباء، وقيل إنها ممتلئة بالحشرات والقوارض. وعلم بوفاة والدته فيما كان عالقاً على السفينة ومرغماً على العيش فيها إلى أجل غير مسمّى بانتظار بيعها.
العام الماضي، اقتلعت عاصفة السفينة من مرساها ودفعتها قريباً من الشاطئ، مما سمح له بالسباحة من أجل الحصول على المؤن وشحن بطارية هاتفه.
وصرّح السيد عائشة عندها قائلاً "لا أحد يمدّني بماء الشرب أو المؤن أو الديزل. عليّ السباحة إلى الشاطئ كل بضعة أيام من أجل الحصول على الطعام والماء وشحن هاتفي. وهذه الأيام، تعرّض رحلتي إلى الشاطئ حياتي للخطر بسبب البرد وسوء حالتي الصحية (أوشكت على الغرق عدة مرات)".
جاء الفرج هذا الشهر حين عرض الاتحاد الدولي لعمّال النقل، وهو الاتحاد العالمي الذي يُعنى بشؤون البحّارة، على المحكمة المصرية أن يحل أحد ممثليه في البلاد محل السيد عائشة ويصبح الحارس القانوني للسفينة.
وصف الاتحاد الحالة بأنها "أزمة إنسانية عانى منها شخص واحد علق بسبب الظروف في وضع أشبه بالسجن"، وقال إن "صمت المسؤولين المصريين" لعدة سنوات مؤشر على أنهم "راضون عن ترك عائشة يتعفّن على متن أم في أمان إلى أجل غير مسمى".
حصل السيد عائشة الآن على أوراق تتيح له السفر، وأجرى فحص كوفيد واستطاع العودة إلى عائلته في سوريا الأسبوع الماضي.
وغرّد تحت صورة لحفلة استقباله في منزله في مدينة طرطوس على سواحل البحر الأبيض المتوسط "أخيراً!!! بعد أربع سنوات، في منزلي، ومع عائلتي مجدداً".
وفي حديث إلى قناتي "بي بي سي" و "سي بي سي" الكندية عن تجربته، قال "لا يمكن رؤية أي شيء ولا سماع أي صوت. كما لو أنكم في تابوت".
"فكرت جدياً في إنهاء حياتي".
"سبّبت لي الفترة التي قضيتها على متن السفينة ضرراً نفسياً وذهنياً دائماً لا أظن أنه يمكن علاجه أبداً. ليس من المفترض أن نبقى وحدنا. هذه هي الطريقة التي تصيب الناس بالجنون".
"لو افترضنا أنك تعثرت ووقعت، أو تعرّضت لحادثة ما، فلن يعلم أحد. سوف تموت وحيداً وقد يتطلب الموضوع أشهراً قبل أن يعلموا أنك توفيت أو أصبت في ذلك المكان".
"ليست الوحدة فقط، بل الوحدة القسرية بالإضافة إلى اليأس. هذا سيثير فيك الرغبة بالانتحار. هذه تجربة لا أتمناها لأي شخص".
وقال محمد الرشيدي، منسّق الاتحاد الدولي لعمّال النقل في العالم العربي "تغيّر الكثير خلال السنوات الأربع الأخيرة. ربما تغيّرت بنية منزل محمد في سوريا على نحو يصعّب التعرف إليه".
"توفي بعض أفراد عائلته منذ سنوات. وبسبب التأخير، ما عاد بإمكانه رؤية أمه أبداً، وهذا أمر محزن للغاية. خسر محمد أربع سنوات من حياته".
يشبه وضع السيد عائشة وضع القبطان التركي وهبي كارا الذي علق على متن سفينة "أم في ميتي" في ميناء الأدبية في قناة السويس لمدة ثمانية أشهر.
احتُجزت سفينة "أم في كينان ميتي" التي ترفع علم باناما منذ يونيو (حزيران) 2020. وأخلي سبيل كل أفراد الطاقم البالغ 25 شخصاً ما عدا شخصاً واحداً بحلول يناير (كانون الثاني)، لكن السيد كارا ظل على متن السفينة.
وفي الرسائل الإلكترونية التي كتبها في فبراير (شباط) بعد تعطّل مولّد الطوارئ الذي أغرق السفينة في الظلام، قال السيد كارا "قد تكون هذه آخر رسالة أكتبها. لا كهرباء ولا ماء أو طعام على متن السفينة".
قالت السلطات المصرية إن القبطان مرغم على البقاء إلى حين تعيين وكيل السفينة مسؤولاً آخر عنها عبر المحاكم. وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، سُمح له بالترجّل من السفينة إنما اضطر للبقاء داخل فندق قريب منها.
وقال السيد الرشيدي من الاتحاد الدولي لعمال النقل "يحتّم الوضع الحالي على القبطان كارا البقاء في مصر من دون مدخول ولا أجر، بانتظار بيع سفينته".
"هذا ظلم، وانتهاك لحقوقه الأساسية والبديهية كبحّار. نأمل في التعامل مع حل هذه المسألة باعتبارها أولوية قصوى".