أكثر من أمير
جفرا نيوز - كتب المحامي عبد الكريم الكيلاني
تخيم غمامة الحزن في سماء المملكة لفراق الامير محمد بن طلال ، هذا الامير صاحب الوجه الدافيء
تعلوه مهابة وجلال تحملان ملامح واضحة من التشابه مع الشريف الحسين الاول .
الذين عرفوا الامير عن قرب ادركوا فيه جملة من الصفات ، فهو لا يتصنع و لا يتكلف ، ويميل الى السجية في الطباع كما يمتلك الامير ذكاءا حادا فطريا و متوقدا ولذلك شواهد كثيرة.
سأتوقف على واحد من هذه الشواهد ، كما سمعتها من مؤسس دائرة المخابرات العامة في الحديث عن توشيح قانون المخابرات العامة بالارادة الملكية .
حيث تم اعداد مشروع القانون في ١٤ مادة لا اكثر ، وعندما رفع مشروع القانون لسمو الامير محمد ، ليُوشح بالتوقيع السامي باعتبار الأمير نائبا لجلالة الملك وقت ذاك ، و بعد ان عُرض مشروع القانون على الامير تم اقراره بصيغة ، تضمنت مقترحات تعزز بنية المؤسسة واستقلاليتها ، وفق هيكل قانوني تنفرد به هذه الدائرة الهامة ، سواء من حيث تعيين ادارتها و ضباطها و عزلهم بل وتبعيتهم ايضا .
وتوشح القانون بتوقيع سموه بعد ذلك ، و بقي ينظم عمل مؤسسة اطلعت بأهم و اخطر الادوار، الى الحد الذي وصل بالكاتب المصري محمد هيكل الى التوهم بأن (مدير المخابرات العامة هو الملك ) حيث بلغت كفاءة هذا الجهاز وسمعته ونزاهته ، ما دفع بهيكل الى الاعتقاد ان الملك شخصيا يتراس الجهاز .
لم يكن ذلك إلا ثمرة لعناصر نجا ح من ضمنها الهيكل القانوني الفريد الذي جعل هذه المؤسسة في منعة من التدخلات و احترام التراتبية من خلال القانون الذي سيبقى موشحا باسم محمد بن طلال كشاهد وكصانع لهذا الانجاز القانوني ، الذي بقي على الصيغة التي تم اقراره بها قرابة خمسة عقود دون اي تعديل .
ان تعدد المواهب و القدرات في الامراء الهاشميين لم يُشكل الرافعة لحلم النهضة العربية منذ عهد البناة الاوائل عبدالله و فيصل وعلي ، ولكن هذه المواهب كانت على الأخص هنا في الأردن معينا لم ينضب يرفد مؤسسات الدولة على مدى مائة عام من عمر الدولة .
وكان توزيع المهام على الامراء جزءا من صلابة الدولة ذاتها ، فتوظيف هذه القدرات لامراء تفوقت قدراتهم واخلاقهم و امكانياتهم على التحديات ذاتها .
في جولة شبه رياضية كنت اسير مشيا بين الدوارين الرابع و الثالث فاغراني فضول عجيب ان اختلس نظرة للساحة الداخلية لقصر بسمان ، قصر الملكة زين الشرف ، وبعد برهة من التامل ، ابتدرني احد افراد الحرس الملكي ، ان اتعجل الخطى فهناك موكب قادم .
من القادم ؟ سالت ،
أجابني الضابط :الامير محمد ، ياتي هنا بزيارات دورية ،
عرفت حينها ان الامير كان مسكونا بعلاقات اسرية بعد رحيل الملكة زين ، و حملت مشاعره وعواطفه الخاصة سموا إنسانيا يليق بأمير .رحمهم الله جميعا .
اهم صفات الامير ، صفة جامعة في (الآل) ،يكشف عنها خلقه الاصيل ، فعندما اقتضت الظروف ان يتقلد سمو الامير الحسن ولاية العهد كان سمو الامير محمد جنديا هاشميا مخلصا في موقعه كممثل شخصي لجلالة الملك ، فشهوة الحكم لا تعرف الى الآل سبيلا ذلك هو معدنهم الاصيل .
يفارقنا امير هاشمي هو اكثر من امير ،
كيف لا ؟! و هو أمير ينتسب الى (الآل ) عليهم صلوات الله، وكل شرف بعد شرف الانتساب الى اشرف الأنساب ، لا يكاد يُبين .