الدكتور حسام العتوم يكتب : أمن العالم بين روسيا وأمريكا

 
جفرا نيوز 
كتب الدكتور حسام العتوم

فعلا وليس قولا، فإن أمن العالم يقع في المسافة الرابطة بين روسيا الإتحادية و الولايات المتحدة الأمريكية .الدولتان النوويتان العملاقتان الموزعتان على قطبين مختلفين فيما بينهما على شكل مسارين متوازيين يصعب عليهما أن يلتقيا دائما ، وإن إلتقيا يفترقان بسرعة من جديد مع بقاء شعرة الاتصال بينهما ماثلة . وروسيا تمثل عالم الأقطاب المتعددة المتوازنة بمصالح مشتركة على قاعدة التعاون والتفاهم والعمل المشترك . وأمريكا تقود حسب رؤيتها ( القطب الواحد) المسيطر على ارض الواقع ، و إفتراضيا على مفاصل دول العالم مع محاولة السيطرة على كبرياتها مثل أوروبا ، وروسيا ، والصين ، وإيران ، وكوريا الشمالية ، والهند ، واليابان ، و فيتنام ، وعلى صغريات دول العالم أيضاً .

ولم تعد روسيا تملك حلفا عسكريا بعد تفكك حلف " وارسو " بعد إنهيار الأتحاد السوفييتي، وهو الذي تأسس عام 1955 ، لكنها تملك جيشا أحمر وبحرية ،وعسكرة في الفضاء تعادل ما يملكة الغرب الأمريكي مجتمعا من حيث قوة النار، وتركيز على التفوق النوعي رغم فارق ميزانية الدفاع وبشكل ملاحظ لصالح حلف ) الناتو ( العسكري الغربي بقيادة أمريكا .

وحسب وزير الدفاع الروسي سيرجي شايغو فإن ميزانية واشنطن الدفاعية لوحدها تتجاوز 16 مرة ميزانية موسكو الدفاعية ( عربي sputnik 24 ديسيمبر كانون الأول 2021 ) ،و بما أن الارقام الدفاعية متغيرة ،فإن الحديث عن ميزانية دفاع أمريكا بإنها (740) مليار دولار مقابل صرف (400 ) مليار على ميزانية (الناتو ) ، وتخصيص ( 50 ) مليار لميزانية دفاع روسيا يبقى تحت علامة إستفهام ،ولاتعطي المعنى المطلوب في عالم المنافسة العسكرية التقليدية وغير التقليدية .

بعد أول إعلان للرئيس الأمريكي جو بايدن بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووصفه بالقاتل " Killer " ردا على سؤال لمقدم برنامج محطة ABC جورج ستيفانوبولس، فقط بسبب قضية المعارض الروسي " نافالني " ، وبسبب ضم روسيا لأقليم ( القرم ) عام 2014 والتسبب في احداث داخله حسب قوله ، وبسبب الأنتخابات الأمريكية 2016 2020، جاءت مكالمة بايدن مع بوتين بتاريخ 13 نيسان 2021 صادمة، وشخصيا إعتقدت للوهلة الأولى بأن بايدن اراد الأعتذار من بوتين بسبب وصفه غير اللائق ، وهكذا تكرر الأعتقاد لدى الإعلام الروسي عبر إحدى قنواته المشهورة (RTR ) ، وتحدث بوتين مع بايدن عن علاقة أمريكا بمحاولة الأنقلاب الفاشلة في بيلاروسيا ) أ. ش. أ 19- نيسان 2021) ، والهدف التخلص من نظام بيلاروسيا ورئيسه لوكاشينكا عبر محاولة إغتياله في عيد النصر على الفاشية الهتلرية في 9 أيار المقبل 2021 في العاصمة البيلاروسية ( مينسك) لإضعاف روسيا، وهو ما شكره الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشينكا، وفاجأني راديو سوا من واشنطن عبر معد برنامج اللقاء فراس العمرات عندما سألني عن تأثير تشنج العلاقات الأمريكية – الروسية على الشرق العربي بعد فرض أمريكا لعقوبات إقتصادية جديدة على روسيا ، وإبعاد عدد من الدبلوماسيين الروس من واشنطن ، بعد توصل أمريكا لحقيقة ( تزوير ) روسيا للأنتخابات الأمريكية عبر العبث بنظامها الألكتروني حسب إعتقادها ، وهو الأمر الذي نفته موسكو قطعاً، وسبق للرئيس بوتين أن دعا نظيره ترمب على هامش قمة هلسينكي عام 2019 للتوجه للمحكمة الدولية للفصل في الموضوع العالق الذي لا يشبه موسكو بكل تأكيد .

وشخصياً اعتقد بأن روسيا ليست مهتمة ولم تكن كذلك سابقا بتحديد شخصية الرئيس الأمريكي القادم عبر صناديق الأنتخابات، ولا فرق لديها بين ترمب ، وهيلاري ، وبايدن وغيرهم . وسبق لمجموعة كبيرة من رؤساء أمريكا أن زارو روسيا في الحقبة السوفيتية ، وبعد إستقلال روسيا عن الأتحاد السوفييتي عام 1991 مثل ( فرانكلين روزفلت ، ورونالد ريغان ،وجورج بوش الأب ، و بيل كلينتون ، و جورج بوش الأبن ، و باراك أوباما ) . فمن يريد و يخطط في أمريكا لخلط السم بالعسل مع روسيا ؟

وقابل المعادلة أعلاه عدم زيارة الرئيس دونالد ترامب لموسكو طيلة فترته الرئاسية 2016 2020 خوفا من إتهامه من قبل جهاز مخابرات بلاده أمريكا CIA) ( بالعمالة لموسكو ، وتفاءلنا خيرا بالرئيس جو بايدن بأنه قادم من أجل التغيير ، و بهدف بناء علاقات طيبة مع موسكو ، ومنها إقتصادية متطورة ، لكن هيهات ، وعلى ما يبدو فإن الموضوع في أمريكا ( ليس رمانه وإنما قلوب مليانه ) منذ إعلان الولايات المتحدة الأمريكية الحرب الباردة و سباق التسلح على السوفييت ، وبعدها على روسيا نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 ، رغم مشاركتها في الحرب في ساعتها الاخيرة إلى جانب الخندق السوفيتي وحلفه العسكري . ومخطط لأمريكا تم الكشف عنه عام 1949 هدف لتوجيه عدة ضربات نووية للإتحاد السوفيتي لولا إكتشافهم إمتلاك السوفييت للقنبلة النووية ، وسبق لأمريكا كما هو معروف قصف اليابان بالسلاح النووي نهاية الحرب العالمية الثانية في مدينتي ( هيروشيما و ناكازاكي ) من دون سبب مقنع ، و فقط لإجبارها على وقف الحرب . و عودة للإنتخابات الرئاسية الأمريكية عبر جولتيها 2016 2020 التي تتهم روسيا بالعبث فيها اليكترونيا ، و الذي هو أمر سرابي إستخباري من طرف واحد، و خارج المنطق ، وكان يقتضي الفصل في أمرها في محكمة متخصصة ، وعدم الذهاب لتصميم الإتهام والعقوبات بحق دولة عظمى مثل روسيا ما دام أمن العالم هو المطلوب . و بالمناسبة لقد شهد تاريخ أمريكا في سبعينيات القرن الماضي تسجيل فضيحة ( ووتر غيت - 1972) التي زورت أمريكا فيها إنتخابات الرئيس ريتشارد نيكسون في زمن ترشح الديمقراطي همفري ، وأجبر حينها على مغادرة موقعه الرئاسي . والرئيس دونالد ترمب إتهم حزب جو بايدن الديمقراطي بتزوير إنتخاباته الرئاسية عام 2020 ، واقتحم حزبه الجمهوري ( الكونغرس ) الأمريكي إحتجاجا . فلماذا هي الإتهامات والعقوبات المتتالية لروسيا تحديدا بدلا من التعاون معها من طرف أمريكا عبر الحوار وبناء علاقات طيبة مثمرة ؟

ماعلاقة أمريكا بالمعارض الروسي " نافالني " ؟، وما علاقتها بقضية الجاسوس الروسي المزدوج مع بريطانيا " سكريبال " ؟ ، وما علاقة أمريكا بالقرم ؟ وما علاقة أمريكا بشرق أوكرانيا ؟ ولماذا تنشر قاعدة عسكرية لها في أوكرانيا تحسبا لحرب في شرقها ولتدخل روسي فيها ؟ وما علاقة أمريكا بحقوق الأنسان وهي التي تصطدم في داخلها مع عنصرية الأبيض والأسود ؟ إنها بصراحة الحرب الباردة التي يراد لها في الغرب أن لا تنتهي ، ولسباق التسلح أيضا ، ويتم تغليبهما على الحوار . أين هو الدور الحقيقي للأمم المتحدة ولمجلس الأمن في مثل هكذا قضية إتهام روسيا بالعبث بإنتخابات أمريكا ، وهي التي لم يبت بها القضاء ؟ من يضع العصا في الدولاب الأمريكي في وقت قرر فيه بايدن في بداية عهده المحافظة على الأتفاقية النووية مع روسيا لخمس سنوات مقبلة ؟ وهو الذي دعا بلاده أمريكا للعودة إلى إتفاقية إيران النووية ( 5+1 ) التي تؤازرها روسيا أيضا ، ولأحترام الحضارة الأسلامية . دعونا نقارن بين موقفي روسيا و أمريكا من صفقة القرن المشؤومة التي تستهدف القضية الفلسطينية العادلة وقدسها الشرقية وفقا لقرارات الأمم المتحدة ، لنجد روسيا تقف بوضوح وشجاعة إلى جانب بناء دولة فلسطين كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية ، بينما هو الموقف الأمريكي رمادي ويساند التعنت الإسرائيلي في الشأن الفلسطيني ، وفي قضية الجولان الهضبة العربية السورية المحتلة عبر أسرلتها، وتقف روسيا من جديد في المقابل بجانب عروبة الجولان ، و تنقذ سوريا الدولة و الوطن من الأرهاب و الإنهيار .

نريد لأمريكا أن تترفع عن مماحكاتها لروسيا، وللصين ، و لتذهب لترسيخ التعاون السياسي والدبلوماسي والاقتصادي مع الشرق إسوة بالغرب ، ولأن تعلن إنتهاء الحرب الباردة إلى غير رجعة ، وسباق التسلح كذلك . وحجم التبادل التجاري بين أمريكا وروسيا ( 27،5 مليار دولار) وبالعكس ما زال دون المستوى المطلوب ، وأخشى أن يكون مقصودا ؟ ، بينما هو بين روسيا والصين ( 107) مليار دولار تقريبا ، والتجارة مع الصين ( 586،72) مليار دولار أحسن حالا ، رغم أن نهوضها يزعج أمريكا الراغبة بالبقاء منفردة فوق خارطة العالم ؟ أليس الأنسان هو واحد عبر حضارته العالمية ؟ أوليس المطلوب هو المحافظة على حضارات العالم التاريخية العريقة ؟ نعم لأمن العالم بكل تأكيد.