الشعب يريد حكـومـــة منتخبـــة ..!

جفرا نيوز - كتب - ابراهيم عبدالمجيد القيسي

في الأزمات والملمات تظهر معادن الشعوب، ومقدار محبتها وفدائها لأوطانها، هذه بديهية معروفة في التاريخ الإنساني، وإن اعتبرنا أنفسنا نعيش الملمات والأزمات دوما، فهذا اعتبار قريب من الموضوعية، وذلك رغما عن حقيقة أننا نعيش في بلد مستقر مقارنة ببلدان أخرى، لا تحتوي كياناتها المؤسسية والشعبية ما تحتويه الدولة الأردنية، وفي السنوات الأخيرة، حصدنا خيبات كثيرة، ومع ذلك ما زلنا نتمتع باستقرار ووعي خاصين، لكن الوعي وحتى الشعور بالأمن والاستقرار أصبح نسبيا لدى كثير منا، لا سيما الأمن على المستقبل، حيث حل محله قلق وحيرة، وتفاقمت ازمتنا الاقتصادية.

في الأسبوع الماضي عشنا وما زلنا نعيش ظرفا غريبا، نواجه فيه تحد لم نألفه على امتداد عمر الدولة الأردنية التي تحتفل بمئويتها، حيث مر قرن من الزمان على الدولة الأردنية، وهي تكبر وتنمو في ظل نظام سياسي قل نظيره في كل الدول التي تحررت من الاستعمار والتبعية لدول أخرى، فكل تلك الدول (تقريبا) تعرضت لهزات سياسية عنيفة تمثلت بحروب اهلية او اغتيالات او تصفيات لأنظمة كاملة وتم تغييرها، بينما الأردن ثابتا، لا تغيير ولا تبديل لثوابته، وهو ثبات ساهم في ارساء أعراف وقيم خاصة، قلما تجدها في الكيانات العربية الأخرى وغيرها.

ما أريد قوله هنا متعلق بمقولة الشعب يريد حكومات منتخبة، شعار سياسي مستهلك، يداهم ثم يسقط على ألسنة الناطقين باسم الإصلاح، ويبين ضحالتهم السياسية وعدم معرفتهم بالحالة الأردنية التي تميزت عن الآخرين، وكان تميزها سببا في استقرارها.

أنا لن أذهب الى تجريم المطالبة بحكومات مستقلة ومنتخبة من قبل المواطنين مباشرة، هذا حق ديمقراطي يمكن تطبيقه لو تم تعديل دستوري يقضي بذلك، لكن هل هذا يناسب الأردن؟ وهل يتفق مع الحكمة وبعد النظر الذي اتسمت به السياسة الأردنية؟.


سيسارع هؤلاء بالإستهجان ويتهمونني بكل الاتهامات المتوفرة، وهذا دليل آخر على الضحالة وعدم الالمام بالمشهد السياسي المحلي والاقليمي بل والعالمي، وهنا أذكر الأردنيين بعدم جدوى، حتى لا أقول استحالة التوافق على تغيير يفضي الى انتخاب الحكومات بطريقة مباشرة، وأذكر هنا نقابة المعلمين الأردنيين، حيث كنت من الذين حذروا من وجود مثل هذه النقابة، وليس رفضي منطلق من عدم اعطاء هذه الفئة من الأردنيين حقوقهم، بل على العكس تماما، هم يستحقون ذلك وأكثر، نظرا لأهميتهم في المجتمعات الانسانية كلها، لكن كان الرفض مبنيا على عدم تسييس هذه الساحة المهنية على شكل يؤثر على مسار انتاجيتها، وأعتقد جازما بأن كل مخاوفي حدثت مع كل أسف، وقد شهدنا ولادة ثقافة (نضالوية) على ضفاف تشكيل ثم أداء هذه النقابة، خسر فيها الأردن الكثير، وليس أقل خسائره تراجع التعليم، حد اختفائه، فليست أوامر الدفاع التي توالت بمنع التعليم الوجاهي ببريئة من وجهة نظر سياسية، تهدف إلى وقف الصخب والمجابهة السياسية مع نقابة المعلمين، هذا مثال محلي أردني، وتجربة، عشناها ورصدنا بل عانينا جميعا من تداعياتها، وقادتنا الى ما أعتبره خسائر وجودية، لها كل العلاقة بمستقبل بلدنا وأبنائه، حين وافقنا على تقريب الصخب السياسي ليصل حد الغرفة الصفية والسبورة والعملية التعليمية التي هي حق مقدس لكل آدمي ولكل طفل في الدنيا.


وهناك أمثلة حدثت في دول عربية، تم فيها إجراء انتخابات، وتشكلت حكومات، ولم تصمد طويلا، فوقعت تلك البلدان في أتون ازمات سياسية محلية ومدعومة من الخارج، وبعضها فشلت تماما وشبت فيها حروب أهلية، وما تجربة مصر والجزائر قبلها ببعيدة عنا.


كلنا نعلم أن أي انتخابات عند العرب ستقود في النهاية الى وجود حكومات اسلامية، ولا أقول بأنها حكومات غير شرعية او غير مناسبة لإدارة شؤون شعوبها، بل أقول بأنها ستحظى بعداوات دولية ومؤامرات كبيرة، لن تصمد أمامها تلك البلدان، مهما ملكت من استقرار اقتصادي او ثبات في (هوياتها الوطنية)..


الحكومات البرلمانية قد تكون خيارا في مثل هذه الحالة، لكن بضوابط وكوابح مناسبة، فكل دولنا العربية والأردن على وجه التحديد، لا تملك ترف الديمقراطية المطلقة ما دامت هناك قضية فلسطينية ودول احتلال لها مطامع كبرى، ومدعومة من كيانات اقتصادية وسياسية جبارة،
فليس كل ما يريده الشعب مقدسا، وصالحا للاستهلاك والاجترار السياسي، الذي يؤول في النهاية الى الدمار والخراب.
!