البلديات وذاكرة الناس
جفرا نيوز- كتب رمزي الغزوي
أقف طويلاً عند التناقض الكبير والمريب القاضي بالسماح بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها صيف هذا العام، مع الرفض التام للنقابات والمنتديات والروابط الثقافية والاجتماعية بإجراء استحقاقاتها القانونية المعطلة، مع أني ضد إجراء اي تجمع في هذه السنة مع اشتداد وطأة الجائحة على بلدنا بكل القسوة التي نراها.
نحن كومة نسيان. ولهذا سننسى معركتنا مع الكورونا؛ لنشهد معارك كسر عظم لم نشف منها بعد جراء الانتخابات البرلمانية خريف العام الماضي. وسنشهد من جديد صراعات العشائر فيما بينها، وصراعات اقوى في العشيرة الواحدة. وسنشهد إقصاءات مقيتة للمرأة وتهميشها لها عبر مهزلة الصناديق الداخلية. وسنرى تعصباً أعمى ورغبة أكثر جموحا بإلغاء الآخرين، وسنلمس جاهلية أن الدم هو الرابطة الأقوى في مطلع العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين.
البلدية ليست «مشيخة»، أو «فخفخة» أو فرصة عمل سانحة. هي ليست (مضبّاً) للمتقاعدين الضجرين النزقين، أو فسحة للهرب من (مناقرات أم العيال). البلدية هيئة حكم محلية تدير شؤون الحياة من مهد الإنسان إلى لحده.
نعرف أن الكثير من بلدياتنا تختزن أكبر رصيد من الفساد، وتراكماته وطياته المسكوت عنها، والمتواطأ بحقها من الجميع. ومع هذا لم نرَ يوماً رئيس بلدية نال عقابا رسمياً أو شعبياً، بل نرى الرؤساء يعودون للترشح وكأنهم صادوا الذيب من ذيله، معتمدين على ذاكرة الناس الذبابية، التي تنسى كل شيء بعد ثوان معدودة، مهما حصل لها، ولهذا تعود الذبابة لتقف في الموضع الذي كان سيكون فيه مقتلها.
قبل سنوات تمنيت في هذه الزاوية لو أن شاعراً أو أديبا يصبح عمدة لعمان وأخواتها، شاعرا يؤنسناها ويجعلنا ندرك أن المدن كائنات حية لها روح تتنفس وتنتعش وترتعش وتحلم وتتطلع وتفكر وتحنو.
لن أقول الساعة أننا بحاجة إلى شعراء في بلدياتنا، ليس لأنهم يرفضون الدخول في معمعيات هذا الخراب، إن كانوا شعراء حقيقيين. بل ما أريده مرشحين من صميم معاناتنا اليومية ولتبتعد العشائرية عن طريقها.
نريد رئاسات تجد حلاً للقمامة التي تخنقنا، وتعيد ثقافة النظافة للحارات، وتجد حلولاً للزحامات المرورية التي ترهقنا، وكيف أن الإعتداءات على الشوارع تمحقنا وتهدر المال العام، وكيف صارت ميزة هذه البلد، رمي الأنقاض في أي مكان.
فهل سيحين حين من الدهر ونعيد للبلديات دورها الحقيقي في الحياة. بأن تهتم ليس فقط بالشارع المسفلت، والرصيف المبلط بل تهتم وتسعى لمكتبة للاطفال، وحديقة للعائلات، وملاعب للشباب. البلدية إنسان قبل كل شيء.