أدبيات الحجر المنزلي (2)

جفرا نيوز - د. كميل موسى فرام
.. يمارس البعض سلوكات سلبية تضاعف من زيادة رقعة الخسارة بكل قطاعاتها؛ البشرية والمادية والاقتصادية، وزيادة معدل نزيف الموت اليومي الذي يحصد الأحباب، والمؤسف الذي علينا الاعتراف به أننا اصبحنا الدولة الأولى في العالم من حيث عدد الإصابات اليومية ونسبة الوفيات بمرجعية لعدد السكان، لأسباب تدعو للحيرة وتحتاج لتجمع فيلسوفي لجمع بيناتها وتحليلها؛ فبين تحديات وتحايل على التعليمات والإرشادات التي تصدرها السلطات الصحية والتنفيذية المختصة، أو تبني نظريات المؤامرة والتشكيك بمفاصل المرض ومراحله، أو استخدام نظرية المخالفة كشكل من اشكال إثبات الذات، أو أننا ندفع ضريبة الإخفاق بالتعامل مع الجائحة ببعض مراحلها نتيجة الاجتهادات الخاطئة أو ممارسة الفرضيات الشخصية بحكم السلطة، أو التخبط الذي فرضه الإعلام بما أفرز من خبراء وآراء متناقضة تحاصر مسامعنا ومشاهدنا، وبالرغم من البداية الصحيحة لخططنا، لكن ما بين البداية المحدودة بعدد الإصابات وواقع اليوم المخيف، هناك فجوة بالمعرفة والمعالجة، ونريد التعاون الجماعي لكبح الجائحة لأننا نستحق الأفضل، ورأفة بجيل الأبناء وإعطائهم فرص التعليم الصحيحة في مدارسهم وجامعاتهم، حتى لو تطوع البعض بالدفاع عن التعلم عن بعد أو التعلم المدمج لفشل يعتري الوسيلة.

اللجوء للحجر المنزلي للمصابين الذي لا يعانون من أعراض تستحق دخول المستشفيات بهدف تخفيف الضغط لارتفاع عدد الحالات اليومية، كان خيارا صحيحا وربما يتيما أمام اصحاب القرار، وكان هناك رهان على الوعي المجتمعي لهذا الأمر من باب الحرص على الصحة الشخصية والعائلية والمجتمعية، وهو أمر مرحب به وميسر ومتابع من قبل أجهزة الدولة، والتجارب الابتدائية أعطت مؤشراً خطيراً على صعوبة الإلتزام بذكريات المخالفات الفردية للأشخاص في مناطق العزل بمنطقة الفنادق والبحر الميت، ولكننا، مع زيادة رقعة مساحة الوباء، أصبحت الخيارات صعبة، فكان اللجوء للحجر المنزلي خيارا منطقيا معتمدا بجميع دول العالم، لكن نسبة التحايل والمخالفة من الأشخاص في الأردن مرتفعة ومزعجة، حيث هناك شريحة تتسلح بثوب الاستهتار واللامبالاة، وتفتقر لأدنى أدبيات الإنسانية، وتقامر بحياتها على حسابنا نتيجة برمجة دماغها على الأذية، لتجعل من عدم الالتزم بتعليمات الحظر المنزلي بطولة نتيجة افتقادها لأبجديات الضمير الإنساني، فتخالف عن قصد بهدف الأذية ونشر الوباء، بسبب فساد في الضمير وفساد مضاعف في الأخلاق، لأنها تدرك أن الأصناف المتحورة لفيروس الوباء على درجة أشرس من البداية، وتنتشر بصورة أسرع، وتحدي التعليمات الحكومية ليس بطولة أو عمل يستحق التصفيق، بل شكل من اشكال الانتحار الفردي ونشر العدوى بقصد الأذية الجماعية.

أصبحنا نلاحظ في النشرة الإحصائية اليومية بوجود ارتفاع مضطرد بعدد الإصابات وزيادة نسبة الفحوصات الإيجابية وهذا مؤشر وبائي خطير جدا، وزيادة بعدد الوفيات نتيجة الإصابة بشكل مباشر أو غير مباسر، وزيادة برقعة مساحة عدد المخالفين للحجر المنزلي والذين يتم ضبطهم من الأجهزة الأمنية والصحية، وأنا على قناعة أن العدد الحقيق ربما أضعاف العدد المكتشف، ويضاف اليه زيادة المشاركة بالتجمعات الإجتماعية عن العدد المقرر حسب أوامر الدفاع، ليكون مقاصة هذه المخافات زيادة الأسى واللوعة والحرمان، حتى غدت وسائل التواصل الاجتماعي زاخرة بأخبار الوفيات للأصدقاء والأقارب والأحباب، وكأنه قدر علينا بدفع ضريبة عمرية لتصرفات مؤسفة لمن فقدوا ضميرهم ويترجمون فشلهم بأذيتنا.

العودة لمراجعة الذات وتصحيح السلوكيات، مطلب ديني وأخلاقي، وواجب وطني وإنساني، فالحياة على أنغام اللحن الأخير تسطر حزناً يحفر ويقهقر أبجديات السعادة، والعقوبات وحدها لن تصلح السلوك بدون وازع ذاتي، لأنها لن تزرع الأخلاق ولن تروي شتلة الإنتماء، وعلينا واجب التكاتف والعمل الجماعي لمصلحة ذاتية تكون مقاصتها مصلحة وطنية، فقد عرفنا بالشهامة والتضحية، وهي فرصة ذهبية لإثبات ذلك، بالإلتزام الشخصي ونصيحة الآخرين، بهدف الوصل لصيف آمن نعود فيه لحياتنا التي نتمناها وللحديث بقية.