من أوراق المئوية: تعيين النشاشيبي ناظراً للحرم الشريف 1951
جفرا نيوز - محمد يونس العبادي
من بين وثائق الوصاية الهاشمية، وثيقة بارزة، يعود تاريخها إلى الخامس من شهر كانون الثاني لعام 1951م، في عهد الملك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين.
الوثيقة، في عنوانها تحمل مضمون تعيين راغب النشاشيبي ناظراً للحرم الشريف وحارساً سامياً للأماكن المقدسة، ورد النشاشيبي عليها.
والنشاشيبي، أحد الرجال الضليعين بالإدارة، منذ العهد العثماني وفي فترة الانتداب، وبعد الوحدة الأردنية الفلسطينية تسلّم مناصب عدة، كان آخرها تعيينه حاكماً عاماً للضفة الغربية وحارس الحرم الشريف والأماكن المقدسة.
الوثيقة تقول: «من عبد الله بن الحسين ملك المملكة الاردنية الهاشمية، بعون الله إلى فخر الأماثل والأعيان وقدوة أهل الفضل والشأن، منجز أمور الطوائف والأديان، بالفكر الثاقب والرأي الصائب، من توشح سوابغ المجد والكرم، وامتطى سوابق حسن الشيم، وزيرنا وعزيزنا حامل وسام النهضة من الدرجة الاولى حضرة صاحب المعالي راغب باشا النشاشيبي».
وتمضي «.. فقد أصدرنا إرادتنا الملكية الهاشمية بتعيينك في منصب ناظر الحرم الشريف والحارس السامي للأماكن المقدسة، مؤملين أن تتذرع بالجهود المثمرة، والآراء النيرة في تعهد المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، ووفق عساكرنا ومجاهدينا برده الى عهده المعهود، وورده المورود، وأن توطد كنف الرعاية والحماية لجميع الطوائف وحجاج الأمم، وتبذل في صون أمنهم وحرياتهم وحرماتهم وشعائرهم وأماكن عباداتهم أقصى الهمم، وأن ترد كل أمر إلى نصابه، وتضع كل حق في موضعه، ووفق الحالة الراهنة المعروفة مما إلى حقوق الطوائف والمساجد والكنائس».
هذا الشرح لمهام النشاشيبي، كان الغاية منه أنّ تسود الطمأنينة في أرجاء الحرم القدسي «ليطمئن الكافة، ويسود السلام والوئام، ومُثل الانبياء العظام، ولتبرز العقائد السماوية في إطار الأخوة الإنسانية، في بلد عربي مقدس تجله الديانات، وتقام فيه الصلوات وترفع الدعوات، وتحفظ الأمانات».
وكدليل على أصالة الرعاية الهاشمية، فقد طلب الملك المؤسس في تكليفه النشاشيبي بأن يراعي في نهجه العهدة العمرية والتقاليد الموروثة كابراً عن كابر، في جميع العهود الاسلامية آخذ بما في أيدي حضرات البطاركة من فرمانات سلطانية، وأوامر مرعية، مثبتاً سائر الحقوق في سجل معلوم ودفتر مخصوص ليراجعه عند الاقتضاء، ويعمل في البدء والانتهاء، مقتدياً بالسلف الصالح في إشاعة المكارم وتجنب الآثام، وإزالة المظالم، وتوطيد الدعائم، مهتدياً بمدلول الآية الكريمة: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفو? إن أكرمكم عند الله أتقاكم».
إنّ هذه البراءة بالتعيين للنشاشيبي، تشرح مهام الناظر للحرم الشريف والحارس السامي للأماكن المقدسة، وهي تحمل رؤيةً تؤسس لإدارة الحرم وصونه من منطلق إرث إسلامي عميق.
ومما جاء في رد الشاشيبي على هذا التعيين، قوله «الحمد لله الذي كتبني من رجالك الأبرار، وجعلني من جندك المختار، أعمل في ظل عنايتك، مخلصاً في كنف رعايتك، متمتعاً على الدوام بعطفك، قوياً مدى الايام بحبك وثقتك."
بالإضافة إلى جزالة اللغة، وحُسن ألفاظها، فإن الرد يشرح المهمة البليغة التي كُلف بها النشاشيبي ناظراً للحرم الشريف والحارس السامي للأماكن المقدسة، إذ شكر الملك المؤسس على هذه المهمة بقوله للملك المؤسس: لقد »..كان لك الفضل كل الفضل في إبقائها والمحافظة عليها، فضربت بذلك أصدق الأمثال التي أعادت الى الاذهان ذكرى الصفوة المختارة من خلفاء المسلمين وخيرة الصحابة العاملين المجاهدين، فان هذا البلد المقدس الأمين يا مولاي، أحق المدن بالاعتبار وأجله في نظر أولي البصائر والابصار، إلى مسجده سرى جدك العظيم عليه أفضل الصل?ة والتسليم».
ويشير النشاشيبي إلى مساعي الملك المؤسس في تعزيز الرعاية الهاشمية وأدوارها، بقوله إنه: ها هو اليوم يعود الى سابق عهده من العز والسؤدد، إذ وجد من جيشك الباسل الدواء العاجل، في دفع العدو الصائل وبقي سليماً مكرماً ترعاه بعطفك، وتعزه بزيارتك وتحرسه بقلبك الكبير فلا عجب بعد هذا أن أردت له حارساً ينشد التوفيق من إرشادك ويحرص على نشر المساواة والعدل بفضل حكمتك وبعد نظرك وسديد رأيك، فإني وأنا الضعيف سأتخذ من توجيهاتك التي انطوت عليها البراءة الملكية السامية نبراساً أهتدي به ونوراً أسير عليه وأذلل به الصعاب».
ويختم بالقول: «العز كل العز بأن القدس اليوم في يدك العربية الهاشمية التي عرفها العالم متسامحة محترمة مختلف شعائر الأديان، هذا زمانك يا مولاي قد ملكت زمامه، ورفعت هذه البقعة المقدسة أعلامه، أيدك الله بالنصر وجعل عرشك المكين غرة في جبين الدهر، ويسر لي في خدمتك والتفاني بمحبتك والإخلاص لشخصك وعرشك».
أهمية هذه الوثيقة بأنها تنتمي إلى باقة وثائق مقدسية تشرح عهد الوصاية الهاشمية الممتد ودوره في المحافظة على هوية المدينة وعروبتها.