إعادة إنتاج السلطة

جفرا نيوز - سيف الله حسين الرواشدة 


تعاملت منظمة التحرير مع أوسلو كحل مؤقت لوجودها في تونس البعيدة، ولم تحاول بناء دولة في الضفة وقطاع غزة تهتم بتنظيم حياة الناس ورفاههم بمقدار ما أرادت مدخلاً للرجوع الى مسرح الاحداث والاقتراب من نبض الشارع الفلسطيني من جديد للتأكيد على اختزالها للصوت والتمثيل الفلسطيني.

حتى إدارة الموارد المالية للسلطة الجديدة بقيت محكومة بمنطق حركات المقاومة وبعيدة عن رشد الدولة، مستغلة غطاء الدولة «السلطة» في تمويل بعض لحظات المقاومة والخروج عن الهيمنة المالية الإسرائيلية على السلطة.

تختلف روايات من عرفوا ياسر عرفات باختلاف الأماكن والازمنة التي عرفوه بها، وتتقاطع جميعها حول تقدير شخصية الرجل الاستثنائية، فهو لم يقل لأي فلسطيني يطلب منه عونًا مادياً «لا» ويسأل الجميع عن أدق تفاصيل حياتهم، وكأنه الصديق الحميم لشعب كامل، يرسل دعوات التهنئة والمواساة ليحضر في مناسبات الجميع، فهو يتقن لعب دور الأب جيدًا، وإضافة لدهائه السياسي فهو يتقن مناورة الحلفاء والاعداء وخطه الأحمر الوحيد هي فلسطين، وهدفه الأوحد: أن يصنع من جموع اللاجئين شعباً يمثله هو فقط.

نقطة قوة أبو عمار الكبرى تمثلت في خلق أوراق الضغط وادارتها جيداً وامتلاك كل المفاتيح ولو نأى بنفسه عنها علناً وبادلها الخصومة أحيانا، ليقدم نفسه لخصومه بندية من يمتلك ما يوجعهم ولا يعطي راغباً الا ليأخذ.

ولدت السلطة كأداة إدارة مدنية نتيجة لأوسلو، ولتفرغ منظمة التحرير المبنية على ارث الكفاح المسلح من دسمها وأبقتها مرجعية سياسية عليا من دون أثر حقيقي ولم تتفرغ لتحسين مستوى حياة الفلسطينيين نتيجة لقناعات ياسر عرفات، وفي زمن محمود عباس، حصر نفوذ السلطة في الضفة من دون القطاع وضعف تأثيرها في المجتمع الفلسطيني وتعددت المرجعيات، مما أفقد السلطة القدرة على إدارة الازمات وتحريك الشارع أو الاستفادة من زخمه وحرارته في ادارة المفاوضات واكتساب المصالح، أضف الى ذلك شلل السلطة المالي أمام التحكم الإسرائيلي بكل مواردها ?لمالية، الذي أفقدها حتى القدرة على تلبية رواتب موظفيها وحاجيات الفلسطينيين الأساسية واعتماد زبائنية الولاء وتبادل المنافع، أو تمويل المقاومة الشعبية بطرق غير مباشرة كما حصل في الانتفاضة الثانية، و التنسيق الأمني الذي أعفى إسرائيل من الضغوطات الأمنية لحالة جمود المفاوضات واللا اتفاق والتسويف الحاصلة، اضافة للمنافسة داخل أروقة السلطة وأجهزها المستندة الى مرجعيات خارجية و ملفات الفساد وعدم الكفاءة وغيرها مما أفقد المقاطعة في رام الله شرعيتها كمفاوض وممثل في أعين الفلسطينيين قبل غيرهم.

من هذه التفاصيل قد نفهم ما الذي جرى في أوسلو وكيف أضعفت السلطة ومنظمة التحرير كل منهما الأخرى؟ ولماذا فقدت القضية الفلسطينية صفة الاجماع العربي عليها الان كما فقدت المنظمة والسلطة جزءا كبيرا من شرعيتها في نظر الفلسطينيين.

تحولت أوسلو اليوم من قبول مؤقت ورهان لعرفات على الديموغرافيا والجيل الجديد والزمن لتحقيق المزيد، الى حلم شبه دولة بسيادة ناعمة يطالب بها عباس المؤمن بالحلول الدبلوماسية فقط، تبدو مستحيلة مع الوقت ولا تملك رام الله لمقاومتها الا الاقتراب من فوضى عرفات للبحث عن إعادة انتاج لواجهة تمثيل فلسطينية بنكهة ولغة وأدوات جديدة.