مناظرة علنية بين أستاذ جامعي ومسؤول

جفرا نيوز - د. حفظي اشتية
 
هذه مناظرة بين طرفين: أحدهما واقعي وهو أستاذ جامعيّ يحكي بلسان حاله، ويمثّل فئة من المدرسين أمثالِه الذين يعانون ما يعانيه، ويشعرون بالظلم الذي يشعر به، والثاني مسؤول عن هذا المدرس قد يصلُح أن يكون مثالاً لبعض المسؤولين في بعض المؤسسات أو الجامعات، ويصدُق على فئة من الذين يقدَّر لهم أن يتولوا أمور الناس ويتحكموا في شؤونهم الوظيفية، فيسيئون في أسلوب إدارتهم، ويخونون أمانة المسؤولية، وينفّرون المدرسين من الجامعة، ويزهّدونهم في المهنة الأكاديمية.
 
يقول المدرس:
أيّها المسؤول عني ولست بأفضل مني, لقد وليتَ هذا الأمر دون وجه حقّ مهنيّ أو أخلاقي، سأعرض عليك أمري وأنت تعرفه، وأسألك عن أمرك وأنا أعرفه:
-كنتُ متفوقاً في جميع مراحل دراستي، أحصل على المرتبة الأولى غالباً، ولا يعقل أن جميع من قيّموني من مرحلة الدراسة الابتدائية إلى مرحلة الدكتوراة أجمعوا على باطل.
 
هذا أنا، فكيف كنت أنت؟!
حصلتُ على شهادة الدكتوراة من أمّ الجامعات في هذا الوطن، وقرأت على أساطين العلم, ومجامع الحكمة والأخلاق، وتمثلتُ مناهجهم، وقفوتُ آثارهم، وتشربتُ أخلاقهم.
 
هذا أنا، فمن أيّ جامعة تخرجت أنت؟! وكم شهادة تحمل؟ وما مصادرها؟ وما زمانها ومكانها؟ وعلى من قرأتَ وتتلمذتَ, وبمن اهتديت؟
 
-خدمتُ في عدّة جامعات في هذا الوطن، وتراسلتْ التقارير عنّي بأنني ملتزمٌ منتظم، وتراكمت تقييمات طلابي على مدى عشرات السنوات بأنني كذلك، ولا يمكن أن يُجمع المسؤولون المتعددون في عدّة جامعات، وعشرات آلاف الطلاب في موادّ متعدّدة وفصول متلاحقات على باطل.
 
هذا أنا، فكيف أنت؟! هل درّست؟ أم خُلقت لتكون مسؤولا؟! ما مدى رضا طلابك عن أدائك؟ هل أخلصت؟ هل التزمت بدوامك؟ هل عدلت في علاقاتك وعلاماتك؟ هل نجحت في الإدارة الصفيّة؟ هل كان يحترمك طلابك؟ هل تركت أثراً إيجابياً أكاديمياً أو أخلاقياً في طلابك؟ هل يتذكرونك ويذكرون لك فضلك؟

-كتبتُ جميع أبحاثي بيدي، ومسوداتها بالرصاص ما زالت عندي، وهي أبحاث في صميم تخصصي، ما سرقتُ أيّاً منها، ولم أتوسط عند أيّ أحد لنشرها، ولم أقبل أن يوضع اسمي على بحث أنا لم أكتبه، من اشترك معي من زملائي في بعض أبحاثي كانت مشاركته فعلية حقيقية.....
 
فكيف حالك أنت؟! هل كتبت أبحاثاً؟ كيف كنت تنشرها؟ هل كانت أبحاثك في تخصّصك؟ هل كلفتَ بعضَ المدرسين ممّن أنت مسؤول عنهم أن يكتب عنك أبحاثك لتُنعم عليه بإضافة اسمك إلى اسمه، وتسهّل أمامه فرصة التقافز في الترقيات؟؟؟!!!
 
-مضى على طلب ترقيتي شهور طوال، وبدأ عدّ السنين، ولم أتمكن إلى الآن من الحصول على مجرد الموافقة على السير في الإجراءات لأنني لا أُتقن ( النطنطات) عند بعض المسؤولين، وهم –أصلا- منشغلون بتسريع إجراءات ترقية المقرّبين.
 
قلْ لي: كم المدّة التي استغرقتْها ترقيتك من لحظة تقديم الطلب حتى عمّت الاحتفالات العظمى بالحصول عليها بجدارة ونزاهة وأمانة علميّة واستحقاق؟! هل كانت شهراً؟ شهرين؟ ثلاثة؟ وما أظن أن الأمر تجاوز هذا، فمثلك لا تحتمل عبقريته أكثر من ذلك!!! وتأخير ترقية أمثالك ظلم عظيم، وانتقاص من فرصة الوطن بالتقدّم وعلوّ الشأن في شتى الميادين!!!
 
-كنتُ مسؤولاً عن زملائي في إحدى السنوات، طبّقتُ التعليمات على نفسي أولاً، والتزمتُ بكل ما ينبغي الالتزام به قبل أن أطالبهم، كنتُ أول من يدخل إلى قسمي وآخر من يغادر، لا أظلم، ولا أستعلي ولا أستقوي على أحد، وأتحمّل وأتجمّل، وأعي عِظم شرف المسؤولية.
 
هكذا كنتُ أنا، فكيف أنت؟! سأجيب عنك بقول الشاعر:
حكمنا فكان الحِلم منّا سجيّة فلما حكمتم سال بالدّم أبطحُ
فحسبكمُ هذا التفاوت بيننا وكل إناء بالذي فيه ينضحُ
 
أنا أستحضر دائماً خطورة مهمة الأستاذ الجامعي، وضرورة التزامه برفيع الأخلاق، وصدق التعامل، ونقاء السريرة، وطيب السمعة، ما ظلمتُ طالباً يوماً، ولا حقّرته، ولا أحبطته، ولا أهملته، ولا عبثتُ بعلامة، ولا تلوثتُ بعلاقة، ولا زوّرت شهادة، ولا تاجرتُ بالعلم، ولا احتلتُ على أحد، ولا تنافختُ في الحرص على المصلحة وأنا أهدمها، ولا تغنيتُ بالأمانة وأنا خائن لها، ولا تودّدتُ بزيفي إلى مسؤول لأحقّق هدفي، ولا سعيتُ في الفتنة، ولا كذبتُ، ولا نافقتُ، ولا أطلقتُ النار على أحد، ولا سُجنتُ، ولا ولا ولا, والمقام الآن لا يتسع لذكر المزيد.
 
فكيف أنت؟! ضعْ عينك الرامشة الراجفة بعيني، وأجبني: كيف أنت؟
أتركك إلى نفسك، فأنت الأعرف بها، المطلع على خباياها ودهاليزها وخفاياها، وأكتفي بالتقاط العِبرة من مساجلتك لأقول إلى كل من يسمع ويعي:
 
إلى كل مَن يشك في أننا بمثل هؤلاء المسؤولين نمضي قُدماً نحو الهاوية أعيد على مسمعه قول الشاعر:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهّالهم سادوا
تُهدى الأمور بأهل الرأي ما صلُحت فإن تولتْ فبالأشرار تنقادُ