الحوامده يكتب "مع أم ضد حبس المدين"
جفرا نيوز - محمد حسين الحوامده
لطالما كان حبس المدين لعدم قدرته على الوفاء حديث الشارع الأردني ، و خاصتاً بعد أعلان وزير العدل تشكيل لجنة خاصة لتعديل قانون التنفيذ بما يضمن الوصول لتحقيق العدالة لجميع الفئات.
و لأبد في البداية من التمييز ما بين الدائن و المدين، فالدائن هو شخص أسدى معروفًا للمدين و هو صاحب "الحق" الذي تعد صورته الأكثر ذيوعاً في هذا المقام هي إعطاء مبلغ من المال للمدين ، اما المدين فهو من يقع على عاتقه الوفاء و سداد ما التزم به في مواجهة الدائن ، و برأيي أن المدين المتعنت عن الوفاء عند حلول الأجل له ثلاثة صور ، أولها مدين ضاق به الحال مما حال بينه و بين الوفاء وفي التشريع الأردني منح المشرع في قانون التنفيذ هذه الفئة أمكانية أبرام تسوية ، و النوع الثاني هو مدين معسر رتب على نفسه و لم يعد لدية القدرة على الوفاء، و أخرهم مدين موسر و لكنه يمتنع عن الوفاء مع أنه يملك القدرة عليه .
و كما هو معلوم أن المادة (٢٢/أ) من قانون التنفيذ تنص " يجوز للدائن أن يطلب حبس مدينه إذا لم يسدد الدين أو يعرض تسوية تتناسب ومقدرته المالية خلال مدة الإخطار على أن لا تقل الدفعة الأولى بموجب التسوية عن (25%) من المبلغ المحكوم به فإذا لم يوافق المحكوم له على هذه التسوية فللرئيس أن يأمر بدعوة الطرفين لسماع أقوالهما ويقوم بالتحقيق مع المدين حول اقتداره على دفع المبلغ، وله سماع أقوال الدائن وبيناته على اقتدار المحكوم عليه وإصدار القرار المناسب".
و هذا يعني أن حبس المدين ليس بالأمر المباشر، بل يسبقه إمكانية عقد تسوية و صلاحية لرئيس التنفيذ بدعوة الطرفين للسماع منهما و التحقيق حول قدرة المدين على الوفاء، فلا يصار للحبس رأساً.
كما تنص الفقرة (ب) من ذات المادة في بندها الثالث على أنه " لا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس تسعين يوماً في السنة الواحدة عن دين واحد ولا يحول ذلك دون طلب الحبس مرة أخرى بعد انقضاء السنة".
و هذا فيما يتعلق بالتنظيم الوطني لمسألة حبس المدين ، في حين أن العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية الصادرة عن الجمعيه العامه للأمم المتحدة والذي صادق عليه الاردن في عام ٢٠٠٦ ونشر بالجريده الرسميه و دخل حيز النفاذ ، ينص في المادة (11) منه على أنه" لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي"
و يلاحظ على المادة (11) سالفة الذكر، أنها أشترطت شرطين لحبس المدين، أولهما أن يكون عاجز عن الوفاء و بالتالي اذا موسر و متعنت يجوز حبسه، أي أن هذه المادة لا تمنع حبس الإنسان الذي لا يعجز عن الوفاء بالإلتزام بالتالي لا تمنع حبس المدين بالمطلق و لا تتعارض مع الماده (٢٢) من قانون التنفيذ، أما الشرط الثاني فهو أن يكون الدين ناتج عن التزام تعاقدي بالتالي أجازت الحبس إذا كان مصدر الالتزام آخر غير العقد كالفعل الضار مثلا، و هذا يؤكد انها لم تحظر الحبس بشكل مطلق
علاوةً على ذلك نجد ان العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية الذي تم المصادقة عليه من قبل مجلس الوزراء دون إرادة ملكية، أي يخضع للمادة (33/2) من الدستور الاردني التي قد علقت نفاذ المعاهدات والاتفاقيات التي يترتب عليها مساس في حقوق الاردنيين العامة والخاصة على موافقة مجلس الامة وبالتالي فان اي معاهدة دولية يصادق عليها مجلس الوزراء لا تكون نافذة في المملكة الا بعد المصادقة عليها من قبل مجلس الامة ، و ما يصب في هذا الصدد عدم وجود قرارات لمحكمة التمييز المؤقرة ليومنا هذا تتمسك بها بنص المادة (11) من العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية.
و فيما يتعلق بحبس المدين فان المملكة الاردنية الهاشمية لم تعدل قانونها بما يتوافق مع العهد الدولي لعدم وجود منظومة ضمانات للمدين كما في الدول الاوربية و الولايات المتحدة في المملكة الاردنية لتحصيل دينه سوى الحبس اذا انعدم وجود شيء للحجز على المحكوم عليه وتحصيل الدين، خاصةً أن غالبية المعاملات نقدًا في المملكة؛ وبالتالي فان الغاء حبس المدين يلغي الضمان الوحيد للدائن لتحصيل دينه، و لو أجرينا مقارنة بسيطه نجد أن الدول التي لا تأخذ بنظام حبس المدين و يكون عاجز عن سداد ديونه لا يحصل على بطاقة ائتمان او حساب بنكي او قض ...الخ.
و بما أن اللجنة المختصة بتعديل قانون التنفيذ في جلستها الأخيرة قد رسمت الخطوط العريضة لتوصياتها، وذلك تمهيدا لرفعها الى مجلس الوزراء لاقرارها وارسال القانون لمجلس النواب، و مع أن التوصيات لم تظهر بشكل جَليّ على أرض الواقع ألأ أنه قد نشر أبرزها، ومنها الغاء العقوبة الجزائية عن الشيكات بدون رصيد خلال فترة محددة ،وتخفيض قيمة التسويات من 25% الى 15% الواردة في المادة(22/أ) من قانون التنفيذ، ووضع نص جزائي على الربا الفاحش ليصبح هناك عقوبة عليه، وتخفيض مدة الحبس إلى 60 يوما عن الدين الواحد و120 يوما مهما بلغت الديون، وعدم حبس الاشخاص ممن يزيد عمرهم عن 65 عاما، و إجازة حبس المدين على نفقة الدائن طالب الحبس التي تعد محل نظر ونقد و تعلل هذه التوصية الأخيرة بأن الدولة ليست طرف في المعاملة المالية مع أن من واجبها الحفاظ على أستقرار المعاملات لتعزيز الثقة بالقضاء و تحقيق الردع العام و الخاص، و التي تعود في أصلها لعام ١٩٢٦ حيث كان قانون التنفيذ يلزم الدائن بإيداع كلفة حبس المدين مقدمًا بواقع ٥٠ فلس يوميًّا وتودع لدى مدير السجن ، و كل ما سبق ذكره هو توصيات لم ترى النور بعد.
وفي النهاية لا يمكن الغاء هذا النظام و إزالة وجوديته لما يترتب على ذلك من ضياع حق الدائن؛ إلا أنه يمكن تطوير هذا النظام و إيجاد نصوص واضحة تميز بين المدين المعسر والمدين المقتدر و المتعنت عن الوفاء وتحديد قيمة المبلغ الذي يجوز فيه حبس المدين وعمر المدين وحالته الطبيه وعدد افراد أسرته وهل هو المعيل الوحيد ام لا و غيرها ..
محمد حسين الحوامده