من أوراق المئوية: الاتحاد الهاشمي بين الأردن والعراق

جفرا نيوز- محمد يونس العبادي
يمثل اتفاق الوحدة بين الأردن والعراق الموقع في 14 شباط 1958م، إحدى أبرز محطات الدولة الأردنية، فهذا الاتفاق هو إحدى المعالم الواضحة على ترجمة خطاب الدولة العروبية نحو التكامل العربي.

وهو اتفاق ولد في ظروف تاريخية، كانت فيها المنطقة تنزع إلى فكرٍ قوميٍ، وهو تجربة ما زالت شواهدها ماثلة في الوثائق الوطنية.

الاتفاق نص على إنشاء اتحادٍ عربيٍ بين المملكتين (العراقية آنذاك) والمملكة الأردنية الهاشمية، على أن تحتفظ كل منهما بشخصيتها المستقلة، وتشمل الوحدة المتكاملة بينهما: السياسة الخارجية والتمثيل السياسي، ووحدة الجيش الأردني والعراقي باسم الجيش العربي، وإزالة الحواجز الجمركية بين الدولتين، وتوحيد مناهج التعليم.

إضافة، إلى أنّ الاتفاق تضمن بنوداً أخرى بينها، تنسيق السياسة المالية والاقتصادية، وأن تتولى شؤون الاتحاد حكومة اتحادية مؤلفة من مجلس تشريعي وسلطة تنفيذية.

وأوضح الاتفاق أنه ينتخب كل من مجلس الأمة الأردني والعراقي أعضاء المجلس التشريعي من بين أعضائهما بعددٍ متساوٍ لكل من الدولتين.

كما نص الاتفاق على أن يكون ملك العراق رئيساً لحكومة الاتحاد، وأن يكون مقر حكومة الاتحاد بصورة دورية لمدة ستة أشهرٍ في بغداد وللستة أشهر الأخرى في عمّان.

وصادق مجلس الأمة العراقي على اتفاقية الاتحاد بتاريخ 17 شباط فيما صادق عليها مجلس الأمة الأردني في اليوم التالي، وجرت المباحثات بعدها لوضع دستورٍ للاتحاد اشترك فيها عن الجانب الأردني سمير الرفاعي وخلوصي خيري وأحمد الطراونة وموسى الساكت.

وتقدم الاتحاد على الصعيد التشريعي، إذ وضعت صيغة نهائية للدستور جرى إعلانها في عمّان وبغداد بـ 19 آذار وأقرها مجلس الأمة في 26 أذار 1958م.

وفي 22 أيار 1958م، انتخب مجلس النواب ممثلين له في مجلس الاتحاد العربي الهاشمي، وهم: عبدالله الكليب، سابا العكشة، وصفي ميرزا، نوفان السعود، فرح أبوجابر، عمران المعايطة، ثروت التلهوني، كامل عريقات، وديع دعمس، اسماعيل حجازي، عبدالرؤوف الفارس، فريد إرشيد، محمود راشد الخزاعي.

إنّ هذه المحطة من تاريخ الأردن، والوحدة مع العراق، والتي لم يمهلها التاريخ طويلاً، إثر الشحن العقائدي القومي الذي حمل شعاراتٍ عريضةٍ انحرفت عن مراميها رغبةً بالسلطة.

وهذه هي الوحدة الثانية في التاريخ الأردني، بعد ضم الضفة الغربية، وترجمت خطاب النهضة العربية الكبرى الذي تأسس عليه الأردن، على امتداد جغرافيا عربية كانت تملك مقوماتٍ إنسانيةٍ وموارد لو قدر لها البقاء لجنبت المنطقة الكثير من العثرات التي تلتها.

وميزة هذا الاتحاد، أنه حفظ لكل دولة شخصيتها وخصوصيتها، وكان القائمون عليه مدركون لميزة مجتمعاتنا العربية، وهذا ما جعل منه مشروعاً عملياً قادراً على البقاء على عكس المشاريع الوحدوية الأخرى في منطقتنا العربية، بالإضافة إلى أنه اتفاق جاء بعد سبع سنواتٍ من الوحدة الأردنية الفلسطينية.

وعلى هذه الملامح، فالأردن اليوم، يملك إرثاً مفرداته شرعية ومشروعية القيادة الهاشمية، وما تأسست عليه مملكتنا العزيزة، وهو تاريخ يستحق أنّ تدركه أجيال اليوم، لمّا به من غنىً حقيقي.

دام الأردن الهاشمي عزيزاً...