متى تثبت الخطط والسياسات رغم تغير الحكومات؟!
جفرا نيوز - بقلم ابراهيم عبدالمجيد القيسي.
بداية لا أنسى أن أشكر رئيس الوزراء على زيارته لصحيفة الدستور، مهنئا بعيدها ال 55، باعتبارها زيارة تؤكد التزام الحكومة بل الدولة بالصحافة الوطنية المهنية، وبخط الدفاع الأول عن الدولة والوطن والمجتمع، عساه يكون اهتماما والتزاما بجنوده البواسل..
وقد يكفينا التوسع بهذا الحديث، تدليلا على القضية المؤرقة التي تضمنها السؤال في عنوان المقالة، حيث لم نجد خطة واضحة والتزاما ثابتا، بالمحافظة والإبقاء على الصحافة الوطنية المهنية الورقية وكفاءاتها ومؤسساتها..لكنني سأتناول مثالا آخر للتحدث عن العنوان والقضية والسؤال الكبير:
(ليش الأزمات والمشاكل بتزيد في القطاعات مع تغيير الوزراء والحكومات والمسؤولين؟!).
يتجلى المثال واضحا عندما نتحدث عن أهم الوزارات بالنسبة للناس والدولة، أعني وزارة الزراعة، التي تنظم القطاع المسؤول عن أمننا الغذائي، وفيه تتشابك قطاعات أخرى، لها كل العلاقة بوضعنا التنموي والاقتصادي على الصعيد الصناعي والتجاري، وكل العلاقة بمصادرنا الطبيعية وثرواتنا..
فعلت الحكومة خيرا، عندما قامت بتعديلها الوزاري الذي جاء بالمهندس خالد الحنيفات وزيرا للمرة الثانية لهذه الوزارة، ومن المؤكد أن سبب تكليفه بهذه الحقيبة هو أداؤه في وزارته الأولى، وهذه خطوة بالاتجاه التنموي الصحيح من قبل الحكومة، التي لا يحسدها أحد على حجم العبء الواقع على كاهلها، في زمن لا يمكن لوالد أن ينال رضى أبنائه الكامل عما يقوم به من واجب تجاه البيت وأهله، وبالنسبة لحماسي ودعمي لوزير الزراعة فلا جانب شخصي فيه، ولا مزايدات على الوزراء الذين تعاقبوا على الوزارة بعد وزارته الأولى، فكل وزير اجتهد بما رآه، ولا نستثني بالطبع طبيعة الظروف التي رافقت وجودهم في هذه الوزارة.
لو كانت الخطط والرؤى ثابتة في وزارة الزراعة وغيرها، لاستمر النهوض بالقطاعات ولتجاوزنا كثيرا من الأزمات المتكررة، وهذه هي حاجتنا وأولويتنا التي يجب أن نتمسك بها مهما تغير الموظفون والمسؤولون، والمثال الحي موجود اليوم في وزارة الزراعة، التي انتقلت الى تنفيذ بدايات خطط كبيرة في وزارة الحنيفات الأولى، لكنها خطط في مجملها توقفت بعده وتم استنفاد آثارها وتأثيرها، لأنها لم تنل استمرارية وتطويرا..
والأمثلة التي تثبت هذا الاستنتاج كثيرة، أتناول منها مثال قطاع الألبان والأبقار ومزارعها، على الشكل الذي يبين أن عناصر هذه المعادلة تخلخلت قليلا، وجاء ذلك على حساب التنمية والتطوير والتشغيل والانتاج، بل إن الأسعار نفسها كانت ستصبح «في العلالي»، لولا أزمة كورونا، التي منعت مثلا المناسبات الاجتماعية الكثيرة، التي يقوم الأردنيون خلالها باستهلاك اللحوم، فتخيلوا المستوى الذي كانت ستصبح عليه أسعار اللحوم ومشتقات الحليب، لو استمرت هذه المناسبات في ظل قلة الانتاج العالمي وصعوبة النقل، وإغلاق الدول لحدودها !.
ومثلا: ما زال عدد الأبقار في القطاع يراوح 90 الف رأس، واستيراد البكاكير متوقف منذ تلك الأيام، التي سمح الحنيفات آنذاك خلالها باستيراد 1500 رأس فقط على أمل الالتزام باستيراد 9000 رأس سنويا آنذاك، أي ما نسبته 10 % من المجموع العام، ثم توقف الأمر، فارتفع سعر مشتقات الحليب و(انكمش حجم علبة اللبن الرايب)، وثمة في القطاع مستثمرون كبار، تختفي ألبانهم من السوق قبل الساعة الثانية ظهرا، على الرغم من أنهم يديرون استثمارات كبيرة، توفر فرص عمل كثيرة، لكنها ما زالت منكمشة ولا يمكنها العمل بكل طاقتها وضمن معاييرها العالمية المعروفة، لأنها لا يمكنها توفير حليب بسعر منطقي بالنسبة لها وللمستهلك..وهذا مثال كاف، لإثبات توقف الخطط أو تغيرها حين يغادر مسؤولا أو وزيرا أو حكومة مكانهم..
أطراف العملية التنموية الزراعية الاقتصادية التي تهتم بها الدولة من خلال وزارة الزراعة هي (المستهلك والمنتج والمستثمر)، وكلهم على درجة كبيرة من الأهمية لديمومة هذه العملية، ولا يجوز الاهتمام بعنصر وتسليمه دفة إدارة وقيادة العملية التنموية على حساب الآخرين، لأن لكل طرف من هؤلاء مصالحه المشروعة، التي يحرص على تحقيقها، ولا يمكنه التنازل عنها لمجرد التعاطف مع الأطراف الأخرى، وكان الحنيفات قد أوجد معادلة مهمة للموازنة بين هذه الأطراف ومصالحها، وتوقفت المعادلة إلى أن عاد للوزارة مرة ثانية..