بعد المتحورة.. كورونا يطوّر سلالات هجينة
جفرا نيوز- بعد السلالات المتحورة التي ظهرت من كورونا، اكتشف العلماء ما قد يكون ممكنا وصفه بالمرحلة التالية من تطور كورونا، وهو السلالات الهجينة، فما هي؟ وما التهديد الذي تشكله؟ الأجوبة هنا مع أحدث المعطيات عن لقاحات كورونا والأطفال، ودواء يثير نقاشا بين الأطباء بشأن كورونا.
السلالات المتحوّرة (variants) هي نسخة من الفيروس تضم مجموعة من الطفرات، أي التغيرات في مادته الوراثية. وظهور نسخ متحورة من الفيروس ليس أمرا مفاجئا، بل عملية طبيعية، لأن الفيروس يتحور بمرور الوقت لضمان بقائه.
وكتبت الخدمات الصحية البريطانية على موقعها على الإنترنت "تم تحديد أكثر من 4 آلاف متحورة من فيروس كورونا -واسمه العلمي سارس-كوف-2 (SARS-CoV-2)- حول العالم"، وذلك وفق ما نقلته عنها وكالة الصحافة الفرنسية.
لكن منظمة الصحة العالمية تؤكد أن "معظمها ليس له تأثير من حيث تدابير الصحة العامة".
وحاليا تعتبر 3 نسخ متحوّرة مثيرة للقلق، وفقا لمنظمة الصحة العالمية: نسخة مكتشفة في إنجلترا، وأخرى مكتشفة في جنوب أفريقيا، وثالثة مكتشفة في اليابان (وقد لوحظت هذه النسخة لدى مسافرين قادمين من البرازيل، ولذلك سميت بالمتحورة البرازيلية).
هذه المتحورات الثلاث منتشرة في 125 و75 و41 بلدا على التوالي، وفقا لما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية يوم الجمعة عن منظمة الصحة العالمية. وهي تصنف "مثيرة للقلق" بسبب زيادة قابليتها للانتقال و/أو شدتها، وبذلك تؤدي إلى تفاقم الجائحة وجعل السيطرة عليها أكثر صعوبة، بحسب تعريف المنظمة.
ما السلالات الهجينة (Recombinant)؟ وما الفرق بينها والسلالة المتحورة؟
يقول فينسينت ماريشال أستاذ علم الفيروسات في جامعة السوربون، إن الفيروسات الهجينة والسلالات المتحورة هي جميعها طفرات تضطلع بالدور ذاته، أي اختبار جميع الحلول التي تمكن الفيروس من الاستمرار، وذلك وفق ما ذكر تقرير نشرته صحيفة "لوباريزيان" (leparisien) الفرنسية، للكاتبة جولييت بوسون.
وتعتبر السلالة المتحورة التقليدية طفرة تحدث داخل جينوم فيروس واحد، لكن السلالة الهجينة أشبه بنوع من التكاثر الجنسي للفيروسات، إنها "نتاج امتزاج فيروسين يتفرعان من فيروس أصلي"، على حد تعبير ماريشال.
ومن أجل حدوث تلك العملية، من الضروري أن يصيب فيروسان نفس الخلية لدى مريض واحد، وفي لحظة دقيقة جدا يحدث نسخ متماثل، وينتج عنه تغيير في المصفوفة، فيقوم الإنزيم المسؤول عن ولادة نسخة جديدة، بإفراز فيروس ثان هجين.
متى تم اكتشاف الطفرات الهجينة لفيروس كورونا؟
في بداية فبراير/شباط الماضي، أكدت باحثة في مختبر لوس ألاموس الوطني في نيو مكسيكو بالولايات المتحدة، أنها اكتشفت فيروسا هجينا من السلالة البريطانية، ومن السلالة المكتشفة في كاليفورنيا.
وفي 17 مارس/آذار الجاري، نشر الفريق البريطاني المسؤول عن تحليل جينومات سارس-كوف-2 دراسة أوضحت اكتشاف حوالي 15 فيروسا هجينا. تم تصنيف 11 منها في 4 مجموعات، بينما كانت الأربعة المتبقية تحمل خصائص مختلفة.
هل كانت هذه الطفرة مفاجِئة؟
وأوضحت الكاتبة أن بعض الفيروسات قادرة على إنتاج هذه الطفرات الهجينة أكثر غيرها، وهو ما ينطبق على فيروسات كورونا.
وقد أكد فريق العلماء البريطاني في دراستهم أن "التهجين سمة متكررة في التطور الجزيئي لفيروسات كورونا".
وأشار أندرو رامبوت، أستاذ التطور الجزيئي في جامعة إدنبرة -على تويتر- أن ظاهرة التهجين "كانت متوقعة جدا" بالنسبة لعائلة سارس-كوف-2.
ويذكر المتخصصون أن هذا النوع من الطفرات قد يكون أصل الفيروس الذي تسبب في جائحة كوفيد-19.
لماذا ظهرت هذه السلالات الهجينة الآن؟
توضح الكاتبة جولييت بوسون أن عدة شروط يجب أن تتوفر لظهور هذه الفيروسات الهجينة. إذ يجب أن يتشارك فيروسان مختلفان في مكان واحد، كما يجب أن تنتشر سلالتان في وقت واحد، كما كان الحال مع السلالة المتحورة البريطانية، إلى جانب الفيروس الأصلي.
ويعتبر ظهور الفيروسات الهجينة نتيجة للانتشار القوي للفيروس، فكلما انتشر الوباء على نطاق واسع، ظهرت سلالات جديدة وأصبح من الصعب التحكم في مدى انتشارها.
لذلك يمكن -وفقا للكاتبة- أن نكتشف هذه الطفرات الجديدة في المناطق التي اكتشفت فيها السلالات المتحورة قبل بضعة أشهر.
وقال الباحثون البريطانيون في هذا الشأن "نظرا لأن العديد من البلدان تشهد نسبة عدوى مماثلة لتلك الموجودة في المملكة المتحدة بين أواخر 2020 وبدايات 2021، فإننا نتوقع أن يتم اكتشاف فيروسات هجينة".
هل الأمر يدعو للقلق؟
وأكد مؤلفو الدراسة أن هذه الطفرات "لن يكون لها تأثير فوري على مسار انتشار الوباء"، كما أن ندرتها في المملكة المتحدة تعني حاليا أنها لم تؤثر على الوضع بشكل كبير.
لكن فينسينت ماريشال يرى أن ظهور هذه السلالات الهجينة ليس أمرا جيدا، لأن "هذه الطفرات يمكن أن تجمع في فيروس واحد خصائص فيروسين مختلفين"، وقد يشكل هذا المزيج خطرا على جهاز المناعة.
كما يبدو أن عاملا آخر يثير القلق، وهو قدرة هذه السلالات الهجينة على الانتشار بين الحيوانات. وقد أظهر باحثون من معهد باستور مؤخرا أن السلالات المتحورة البريطانية والجنوب أفريقية والبرازيلية، قادرة على إصابة الفئران، رغم أن سارس-كوف-2 لا يمكنه ذلك.
لماذا يختبر الباحثون لقاحات كورونا على الأطفال؟
ننتقل إلى موضوع آخر، ففي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، من المتوقع أن يتم تقديم لقاحات للأطفال في فصل الخريف. بينما في فرنسا، أثارت هذه المسألة جدلا واسعا، خاصة لأن القاصرين لديهم مخاطر ضئيلة جدا للإصابة بشكل خطير من فيروس كوفيد-19.
ويقول الكاتب ناثانيال هيرزبرغ، في التقرير الذي نشرته صحيفة "لوموند" (lemonde) الفرنسية، إن شركة مودرنا (Moderna) للتكنولوجيا الحيوية أطلقت رسميا يوم 16 مارس/آذار الحالي تجربة سريرية لاختبار لقاح ضد كوفيد-19 لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و11 عاما.
وعلى ضوء ذلك، بدأت تجنيد حوالي 6750 "متطوعا" من صغار السن في الولايات المتحدة وكندا، وقد تم بالفعل حقنهم بالجرعات الأولى. ووفقا لبيان الشركة، ينوي المختبر الذي يقود العملية مع معاهد الصحة الوطنية، دراسة "سلامة اللقاح ومدى القدرة على تحمله وتفاعله وفعاليته".
في هذا السياق، يتساءل الكاتب: لماذا يُستَهدف الأطفال في هذه الحملة، على الرغم من أنهم معرضون لخطر منخفض جدا للإصابة بشكل حاد بكوفيد-19، ويبدو أنهم أقل تأثرا بالفيروس؟
في 16 فبراير/شباط الماضي، أصدرت الجمعية الفرنسية لطب الأطفال بيانا في هذا الصدد، تقول فيه: "غالبا ما يكون كوفيد-19 لدى الأطفال دون أعراض، كما لا يعد الأطفال مصدرا كبيرا لنقل العدوى، ولم يتم التبليغ عن إصابات خطيرة في صفوفهم، حتى بالنسبة للذين يعانون من أمراض مزمنة. حاليا، هناك القليل جدا من البيانات حول فعالية وسلامة هذه اللقاحات المتاحة للأطفال. وحتى الآن، لا يبدو أن هذا التلقيح ضروري للأطفال".
من جانبه، يعارض إيفان أندرسون أستاذ طب الأطفال في جامعة إيموري في أطلانطا، هذا التحليل. وفي حين أنه يعترف بنقص البيانات الحالية، فإنه لا يشارك رأي زملائه الفرنسيين بشأن التهديدات المحتملة بالنسبة للأطفال.
في سبتمبر/أيلول 2020، نشر أندرسون بالفعل مع 7 أطباء آخرين، مقالا في مجلة الأمراض المعدية السريرية، يدعو فيه المختبرات إلى تطوير لقاحات الأطفال بسرعة.
وقد أشار في ذلك إلى أن: "الأطفال يصابون بفيروس سارس-كوف-2 وينقلون الفيروس ويعانون من مضاعفات". وبالتالي، يمكن للقاحات الآمنة والفعالة أن تعود عليهم بفوائد مباشرة وغير مباشرة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يصاب الأطفال الصغار جدا في السن بمتلازمة الالتهاب المتعدد الأنظمة عند الأطفال. بينما يصاب آخرون ممن يعانون من المراضة المشتركة -وجود أكثر من مرض (Comorbidity)- بأنواع حادة من المرض، تكون أحيانا مميتة.
ومن بين الفوائد الأخرى للتلقيح أنه سيكون من الممكن للأطفال الصغار العودة إلى حياتهم اليومية العادية.
ويقول جيفري غربر أستاذ المناعة وطب الأطفال في جامعة بنسلفانيا: "حسب رأيي، حتى لو سمحت إستراتيجيات التخفيف وتدابير الحواجز اليوم بالتدريس بأمان، فإن تلقيح الأطفال سيسمح لنا بالعودة بسرعة أكبر إلى التعليم العادي".
إيفيرمكتين.. الدواء الذي قسم العلماء
تظهر بعض الدراسات فائدة إيفيرمكتين (ivermectin) في العلاج ضد عدوى كوفيد-19. في المقابل، أفاد باحثون آخرون أن التجارب غير كافية.
وفي تقريره الذي نشرته صحيفة "لوفيغارو" (lefigaro) الفرنسية، أفاد الكاتب بول كارسوناك بأن هناك العشرات من الدراسات التي أجريت في جميع أنحاء العالم، وأظهر بعضها نجاعة دواء إيفيرمكتين ضد كوفيد-19.
وبسبب نقص الموارد، لا يتم إجراء أي من التجارب مع فريق كبير بما فيه الكفاية من المرضى، وبمنهجية قوية بما يكفي لجعلها موثوقة.
ومع ذلك، تشجع السلطات الصحية في بلدان مثل بوليفيا وبيرو على استخدام هذا الدواء على نطاق واسع.
وفي أوروبا، سمحت سلوفاكيا باستخدام إيفيرمكتين، في حين طلبت الجمهورية التشيكية تزويدها بحوالي 10 آلاف علبة منه.
وذكر الكاتب أن العديد من الأطباء المعروفين في هذا المجال دعوا منذ عدة أشهر إلى استخدام هذا الجزيء للتغلب على الفيروس.
في المقابل، هناك العديد من الأطباء المختصين بالأمراض المعدية انتقدوا دواء إيفيرمكتين. ففي مقال نشر في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي بالمعهد الوطني للصحة والبحوث الطبية، سُلط الضوء على التحيزات المنهجية بالإضافة إلى عدم وجود أدلة كافية على نجاعته.
وفي حوار مع نائب مدير معهد بيير لويس لعلم الأوبئة والصحة العامة دومينيك كوستاليولا، أشار إلى أن هناك عددا قليلا من المقالات المنشورة، بحيث لا يوجد شيء يمكننا استنتاجه من ذلك. وبشكل عام، ينبغي علينا التوقف عن الشروع في الاكتشافات التي لا نهاية لها من الأفكار التي لا تستند إلى أساس دوائي أو منطق ما قبل المراحل السريرية.
وأصدرت وكالة الأدوية الأوروبية بيانا صحفيا مشتركا، يفيد بأن "البيانات المتاحة لا تدعم استخدام إيفيرمكتين لعلاج مرض كوفيد-19 خارج نطاق التجارب السريرية". ووفقا للوكالة "أثار هذا الدواء جدلا كبيرا نظرا لأنه لا يكون فعالا سوى في حال الحصول على جرعات أعلى بكثير من المسموح بها في الوقت الراهن".
ويؤكد كريستوف دوات رئيس مجلس إدارة ميدينسيل -وهو مختبر في مونبلييه يعمل على صنع علاج قائم على إيفيرمكتين لعلاج كوفيد-19- أن "البيان الصحفي لوكالة الأدوية الأوروبية انتقد بشكل مطول الجرعة التي وصفها بالجرعة الزائدة، وهو ما يدل على تحيزهم الواضح ضد الدواء".
من جهته، قال ديفيد أوزي مدير الاتصالات في مختبر ميدينسيل: "ينبغي علينا إجراء دراسات جادة، بما يتماشى مع انتظارات الهيئات التنظيمية".
وبالنسبة لهذه الهيئات، لا بد من توفر الإرادة السياسية والموارد المالية لإجراء هذه الدراسات. وفي هذا الموضوع، تعود الكلمة الأخيرة للوكالة الوطنية لسلامة الأدوية والمنتجات الصحية.