بين مسؤول الأمس ومسؤول اليوم
بين مسؤول الأمس ومسؤول اليوم.."عبد الرزاق الرحاحلة نموذجاً"
جفرا نيوز - د. حفظي اشتية
الزمان: الخامس من حزيران 1967
المكان: القدس الشريف/ حي الشيخ جرّاح
المسؤول: عبد الرزاق سلامة بديوي الرحاحلة
إنه مأمور تسوية الأراضي والمساحة في القدس، يعي جيداً أنّ الصراع مع الأعداء يدور على كلّ ذرّة من تراب القدس الطهور، وهو القوي الأمين على وثائق الملكيّة بين يديه، يدرك أنّ الحفاظ على الحقّ في الأرض مرهون بالحفاظ على هذه الوثائق، فهي التي تثبت ملكيّة الأهالي والأوقاف الإسلامية والمسيحيّة منذ عهد الدولة العثمانية بل منذ عهد صلاح الدين، وهو المؤتمن على الوفاء بمهمته، والقيام بالواجبات الموكولة إليه، يضع مخافة الله بين عينيه، ويكرّس حياته للالتزام بما وعد به وأقسم عليه.
أطلّت الحرب برأسها، ولاحت نُذر الشرّ، والظروف معتلّة، وموازين القوى مختلّة، والعدو ماكر يعرف جيداً ما يريد، إنّه يريد انتزاع الأرض من أهلها الشرعيين، وطمس حقوقهم في ممتلكاتهم إلى الأبد.
عصفت الأفكار في عقل الشاب السلطيّ ، وداهمته الأخطار، فاتقدَ ذهنه، واغتلى ضميره على الأمانة العظيمة عنده، فطلب من زوجته( السيدة عفاف زيد الكيلاني) أن تستعد سريعاً للرحيل، وألّا تحمل معها شيئاً من ممتلكاتهما الخاصة، لأنّ سيارته الصغيرة (الفولكس فاجن) ستنهض بمهمة كبيرة خطيرة.
توجّه إلى دائرته فزِعاً ملهوف الفؤاد، وبدأ ينقل الوثائق بقلب خافق إلى السيارة، يتمتم بآيات وأدعية متوسلاً أنْ يُتمّ مهمته، حريصاً على ألّا يترك قصاصة ورق خلفه، في الوقت الذي ترك فيه كل ما يملك في بيته.
حمل الأمانة الغالية وتوجّه إلى عمان مسكوناً بقلقه ولهفته، قاصداً دائرة الأراضي ليسلّم أمانته، وعندما وجدها مغلقة عاد بالوثائق إلى بيته في السلط, يحرسها برمش العين حتى يحين وقت ردّها إلى مكانها المكين الأمين.
وصدق ظنُّ الشاب الألمعي، فما أن اندلعت الحرب حتى كانت قذائف العدو الأولى تُوجّه نحو دائرة أراضي القدس لتجعلها قاعاً صفصفاً، وما علموا أنّ مسؤولاً قوياً أميناً ذكيّاً قد أحسن التصرّف قبل فوات الأوان، وأنقذ الوثائق إلى برّ الأمان.
تلك الوثائق سيكون لها أكبر شأن في المعركة الدائرة الآن في منطقة الشيخ جرّاح التي يُهدّد الآلاف من سكانها بطردهم من بيوتهم بحجة أنّهم لا يملكون وثائق بملكيّتها.
هذا نموذج ليس فريداً من مسؤولي الأمس الذين كانوا ينظرون إلى الوظيفة العامّة بأنها شرف وأمانة، يجعلونها محور حياتهم، ويقدمونها على مطالبهم الذاتية ومصالحهم الخاصة.
تُرى:
كم نسبة مثل هذا الموظف بين مسؤولي هذا الزمان؟! وبِمَ يفكر مسؤول اليوم عندما يداهمه خبر نقله أو إقالته؟ ولا نقول الحرب المفاجئة طبعاً.
سؤالٌ نعرضه برسم الإجابة، ونوجّهه إلى كلّ مسؤول كبيراً كان أم صغيراً، عسى أنْ يخلق عندنا عصفاً ذهنياً يقودنا إلى الإجابة عن أسئلة أكبر وأخطر:
لماذا أصبحنا على ما نحن عليه الآن من هوانٍ بعد عزّ؟ وكيف ضعُفت همتنا بعد رفعة؟ وكيف تحوّل المسؤول عندنا من الحفاظ على عظائم الوطن العامّة إلى الاستماتة في الدفاع عن صغائر المصالح الخاصة؟
حقّاً:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتكبر في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
جفرا نيوز - د. حفظي اشتية
الزمان: الخامس من حزيران 1967
المكان: القدس الشريف/ حي الشيخ جرّاح
المسؤول: عبد الرزاق سلامة بديوي الرحاحلة
إنه مأمور تسوية الأراضي والمساحة في القدس، يعي جيداً أنّ الصراع مع الأعداء يدور على كلّ ذرّة من تراب القدس الطهور، وهو القوي الأمين على وثائق الملكيّة بين يديه، يدرك أنّ الحفاظ على الحقّ في الأرض مرهون بالحفاظ على هذه الوثائق، فهي التي تثبت ملكيّة الأهالي والأوقاف الإسلامية والمسيحيّة منذ عهد الدولة العثمانية بل منذ عهد صلاح الدين، وهو المؤتمن على الوفاء بمهمته، والقيام بالواجبات الموكولة إليه، يضع مخافة الله بين عينيه، ويكرّس حياته للالتزام بما وعد به وأقسم عليه.
أطلّت الحرب برأسها، ولاحت نُذر الشرّ، والظروف معتلّة، وموازين القوى مختلّة، والعدو ماكر يعرف جيداً ما يريد، إنّه يريد انتزاع الأرض من أهلها الشرعيين، وطمس حقوقهم في ممتلكاتهم إلى الأبد.
عصفت الأفكار في عقل الشاب السلطيّ ، وداهمته الأخطار، فاتقدَ ذهنه، واغتلى ضميره على الأمانة العظيمة عنده، فطلب من زوجته( السيدة عفاف زيد الكيلاني) أن تستعد سريعاً للرحيل، وألّا تحمل معها شيئاً من ممتلكاتهما الخاصة، لأنّ سيارته الصغيرة (الفولكس فاجن) ستنهض بمهمة كبيرة خطيرة.
توجّه إلى دائرته فزِعاً ملهوف الفؤاد، وبدأ ينقل الوثائق بقلب خافق إلى السيارة، يتمتم بآيات وأدعية متوسلاً أنْ يُتمّ مهمته، حريصاً على ألّا يترك قصاصة ورق خلفه، في الوقت الذي ترك فيه كل ما يملك في بيته.
حمل الأمانة الغالية وتوجّه إلى عمان مسكوناً بقلقه ولهفته، قاصداً دائرة الأراضي ليسلّم أمانته، وعندما وجدها مغلقة عاد بالوثائق إلى بيته في السلط, يحرسها برمش العين حتى يحين وقت ردّها إلى مكانها المكين الأمين.
وصدق ظنُّ الشاب الألمعي، فما أن اندلعت الحرب حتى كانت قذائف العدو الأولى تُوجّه نحو دائرة أراضي القدس لتجعلها قاعاً صفصفاً، وما علموا أنّ مسؤولاً قوياً أميناً ذكيّاً قد أحسن التصرّف قبل فوات الأوان، وأنقذ الوثائق إلى برّ الأمان.
تلك الوثائق سيكون لها أكبر شأن في المعركة الدائرة الآن في منطقة الشيخ جرّاح التي يُهدّد الآلاف من سكانها بطردهم من بيوتهم بحجة أنّهم لا يملكون وثائق بملكيّتها.
هذا نموذج ليس فريداً من مسؤولي الأمس الذين كانوا ينظرون إلى الوظيفة العامّة بأنها شرف وأمانة، يجعلونها محور حياتهم، ويقدمونها على مطالبهم الذاتية ومصالحهم الخاصة.
تُرى:
كم نسبة مثل هذا الموظف بين مسؤولي هذا الزمان؟! وبِمَ يفكر مسؤول اليوم عندما يداهمه خبر نقله أو إقالته؟ ولا نقول الحرب المفاجئة طبعاً.
سؤالٌ نعرضه برسم الإجابة، ونوجّهه إلى كلّ مسؤول كبيراً كان أم صغيراً، عسى أنْ يخلق عندنا عصفاً ذهنياً يقودنا إلى الإجابة عن أسئلة أكبر وأخطر:
لماذا أصبحنا على ما نحن عليه الآن من هوانٍ بعد عزّ؟ وكيف ضعُفت همتنا بعد رفعة؟ وكيف تحوّل المسؤول عندنا من الحفاظ على عظائم الوطن العامّة إلى الاستماتة في الدفاع عن صغائر المصالح الخاصة؟
حقّاً:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتكبر في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم