مطالبات ومذكرات حجب الثقات ..
جفرا نيوز - كتب - ابراهيم عبدالمجيد القيسي
حين ترك الحكومة، ولم يكن منخرطا في أي عمل رسمي، لو قام شخص مثل المهندس خالد الحنيفات بالاعتراض على إجراءات الدولة في إدارة القطاع الزراعي، أقول مثلا، فسوف أهتم شخصيا بالموضوع، لأن كلامه سيكون وجيها، فهو لديه خبرة في المجال، والأهم لديه خطة، وقد سبق له أن نفذ جوانب منها بنجاح غير متوقع تلك الأيام.. أي أن اعتراضه يكون وجيها وفيه فكرة ووجهة نظر.
لكن ماذا أقول عن (الذوات والبيكوات والباشوات)، الذين انحصرت نظرتهم اليوم بتحقيق فتح وطني كبير، وهو إقالة الحكومة؟!.
طيب؛ بل ليس طيبا البتة، اعتبروها استقالت اليوم، هل سيكون قد انعدل حال البلاد؟ وهل اختفت مظاهر الترهل ونضالات ركوب الموجة، التي تتصيد الحكومات منذ اليوم الأول، على حساب استقرار الحكومات واستقرار الخطط واستمرارها ومساءلة منفذيها؟ وهل تم ترشيد الإنفاق العام، وتحييد الموازنات من رواتب فلكية جديدة يتلقاها وزراء جدد، كانوا أمس مستوزرين، وهاجموا كل الحكومات والتشكيلات ليركبوا في القطار بدلا عنها؟.
إن كنا نعترض على نهج تشكيل الحكومات، فهذه "الهبّات والفزعات والنضالات" هي أول ما نعترض عليه، فهي التي تربك الحكومات، وهي لا غيرها، النافذة التي نفتحها مسبقا لتشكيل حكومات لا يمكنها أن تعمل، ولم ولن نتمكن من الوصول إلى حالة استقرار الحكومات، ما دامت هذه الثقافة جاثمة في عقولنا، فكيف نحاسب ونراقب وننتظر من حكومة إنجاز ما، وهي مرعوبة خائفة، يترصدها الجميع على زلة؟.
قد يخالفني مخالفون من عدة جهات، حين أقول أن المرحلة التي تولى فيها "عبدالله النسور" حكومة، وعلى الرغم من كل التحفظات التي في أذهانهم حول تلك الحكومة، إلا أنها كانت من أكثر الحكومات استقرارا، ارتحنا وقتها من محاولات الابتزاز والاستيزار واللإسترئاس.. والمدرنة، وتناوب الشلل، وغزوات رئاسات المجالس الحكومية وشبهها..
كانت هناك حالة من استقرار وهدوء صخب، واختفت الى حد بعيد مهنة "وضع العصي في الدواليب".
ما الذي تحسدون هذه الحكومة عليه؟ وهل من باب الحكمة والأمانة أن يسعى "مؤمنا" بقدميه إلى الاختبارات العسيرة والإبتلاءات؟!. (اللهم جنبنا البلاء والإبتلاء).
أنا أعتقد أن الحكماء والحصيفين يبتعدون عن دفة المسؤولية في مثل هذه الظروف، وإن كانوا يفيضون بالوطنيات والخوف على البلاد والعباد، فعليهم أن يشكروا الله بأنهم ليسوا وزراء ولا رؤساء ولا مدراء في مثل هذا الظرف، وأن تتمنطق خطاباتهم لما فيه خير البلاد، وتقديم الدعم بكل أشكاله للحكومة وللمؤسسات، ويمكنني أن أذكر مئات الأسماء التي يكون أفضل ما يمكنها أن تدعم البلاد فيه، في مثل هذا الوقت هو "الصمت"، اصمتوا يرحم والديكم، فأنتم لم نعرفكم إلا صاخبين بالوطنيات، وحين كنتم في دفة المسؤولية، اقترفتم كل شيء، أو التزمتم الصمت عن كل الخطايا بحق الوطن والناس.
لا أدافع عن الحكومة ولا عن رئيسها (ما بعرفه أصلا)، لكن القصة لا تتعلق بمشاعر أو انطباعات شخصية، فكل الدنيا خلل، قبل فاجعة السلط المؤلمة، وسوف يستمر الخلل ما دمنا نتعاطى معه بالطريقة ذاتها، نهاجم الحكومات والمؤسسات، ونرعبها، ونكبلها حتى عن الفكرة، ثم ننتظر منها أن تتجاوز بنا أصعب ظروف نمر بها ويمر بها العالم كله، فالمسؤول المرعوب لن يقدم شيئا، بل سيزيد الوضع سوءا، ونستمر في المراوحات، بينما الجائحة وتداعياتها وظروفنا الاقتصادية والسياسية السيئة تضرب دون توقف، ولا رحمة.
دعونا من النظرة الفردية والشخصنة، واطلبوا من الحكومة خطة واضحة لمواجهة الجائحة أولا، كمطالبتها بإنشاء أكبر عدد من المستشفيات الميدانية، ثم فتح الحياة العامة كلها، فالوباء لا يرحم، ويصيب الشخص الواحد أكثر من مرة، وهذا تحد أمام أي حكومة، فهي لن تحقق شيئا مادام الاغلاق هو أول وآخر أشكال مقاومتها، لأن الوباء مستمر، ويجب ردعه بالوقاية الشخصية، والمضي في الحياة كما ينبغي، وتوفير مرافق صحية تستوعب المصابين، وهذه وجهة نظر يمكن تطبيقها، فنحن في مواجهة مفصلية مع خطر كبير، ولا يمكننا الصمود حتى لو غيرنا حكومة كل يوم..
دعونا من الفزعات المتبادلة ومن حروب المناصب والرواتب.
!!