وزير الصحة... الحقيقة عندما تزعج
جفرا نيوز - الدكتور سهيل الصويص
تصريحات وزير الصحة عن التلاعبات التي تتم بحق المرضى الليبيين تمثل سابقة في تاريخ تعامل الوزارة مع المستشفيات الخاصة والسياحة الطبية الوافدة.
مما لا شك به بأن وزيرنا الكريم إن كان ما يزال يعيش بالانضباط العسكري الذي حكم ممارسته على مدى ثلاثة عقود في أكثر المؤسسات الطبية انضباطاً فلا بد أن يمتعض مما يجري اليوم ميدانياً في القطاع الطبي الخاص من أمور كان لا يمكنه تخيلها خصوصاً أنه لم يخدم يوماً في القطاع الخاص.
لكن ما قاله الوزير من عبارات خطرة عن تحكم السماسرة بالمرضى الليبيين وكيف يجري تحويلهم قسراً لبضعة مستشفيات لا تتجاوز أصابع اليد من بين 60 مستشفى خاصا ليس بالأمر الجديد. فما يجري ليس سوى حلقة من مسلسل أردني طويل نعرف جميعاً تفاصيله ولم يكن يخفى عمن سبقوه, لكن السؤال الذي يفرض نفسه هل كان بالإمكان مواصلة مسيرة التلاعب بصحة المرضى الوافدين لولا صمت الوزارة القاتل الذي أوصلنا لمرحلة القحط التي عرفناها في السنوات الأخيرة لولا تدفق المرضى الليبيين القسري في الشهور الماضية لوصلنا لمرحلة النزاع الاخير.
وزارة الصحة لم تلتزم الصمت فقط بل ساهمت مباشرة في تطور وازدهار " تمرد " بعض المستشفيات الخاصة من خلال دلال بعض الوزراء اللامحدود لمدراء مستشفيات معينة ومن خلال منح هذه المستشفيات صك غفران لممارسة ما ترغبه من تجاوزات في نظام المستشفيات الخاصة الذي قدمته لديوان التشريع قبل سنتين والذي لا يمكن تخيل صياغته لولا تواطؤ مديرية المستشفيات في الوزارة مع المستشفيات الخاصة وعدم انزعاجها مما يجري علناً وفي الخفاء من ممارسات مشينة بحق المهنة والمريض الإنسان وسمعة الوطن.
القطاع الطبي لم يعرف فساداً أعظم مما عرفته الفترة التي تلت إنشاء مكتب خدمات المرضى في المطار والذي لم يكن به بالصدفة لا طبيب ولا ممرض واحد والذي تحول لمكتب خدمات لمستشفيات خاصة معينة ورغم تكاثر الاحاديث والشكاوى فكل ما وجدته الوزارة ملائماً تمثل بترفيع القائمين على المكتب وتسليمهم مديرية سياحة علاجية في الوزارة, لم نسمع يوماً عن تصريح أو إنجاز واحد لها فتم إلغاؤها بعد ثلاث سنوات حتى أعيدت للوجود قبل سنتين وما زلنا لا نسمع عن إنجازاتها وتصديها للفساد الطبي سوى في تصريحات عنترية من وقت لاَخر في موقع وزارة الصحة الالكتروني.
لا يهم أن تتصدى جمعية المستشفيات الخاصة لحقائق الوزير الجارحة فعندما وقف وزير الصحة في البرلمان للإعلان عن احتضار سياحتنا العلاجية كانت الجمعية تزيد أعداد المرضى الوافدين ربع مليون وأكثر حسب المزاج من دون دلائل وإحصاءات, وعندما تضطر مريضة توفي جنينها في رحمها للذهاب للزرقاء للخضوع لعملية جراحية مستعجلة بسبب رفض مستشفيات عمان المليئة بالليبيين استقبالها وعندما ترفض غالبية المستشفيات الخاصة استقبال مرضى أردنيين بحاجة لدخول طارئ للمستشفى لان أسرتها مكتظة بمرضى ليبيين غالبيتهم ليسوا بحاجة لدخول مستشفى أو للإقامة أسابيع من دون دوافع طبية بحت لا نجد سوى تصريح بأن نصف أسرة المستشفيات مخصصة للاردنيين وسجلات المستشفيات وحدها كفيلة بكشف الحقيقة.
التلاعب والسمسرة بحق المرضى الليبيين وصمة عار وجريمة ترتكب بحق مرضى أردنيين ووافدين ترفضهم المستشفيات لأنها تفضل الليبيين المربحين, وهذه الأساليب وصمة عار قبيحة لان المرضى الليبيين القادمين باسم الوطن والذين منحونا ثقتهم واحترامهم وسيهجرون ديارنا عما قريب عند اكتشافهم لحقيقة انهم غدوا غنيمة حصرية لمساهمي المستشفيات والمحسوبين عليه وهنا أيضاً تلعب العمولات التي تحدث عنها الوزير دوراً حيوياً في اقتسام الكعكة ولا تهم المهارة هنا لإدارات المستشفيات بل نسبة العمولة.
كلنا أمل أن لا يتوقف تصدي الوزارة المتأخر لألاعيب بعض المستشفيات عند هذا الحد وأن تقوم بردع المتلاعبين وإعادة روح الإنسانية لمهنة الطب الأردنية وإعادة الاحترام للمريض الإنسان الذي تحول لمحفظة وفريسة لجشع البعض.
الحل فيما يخص المرضى الليبيين يكمن بداية في وجود لجنة طبية أردنية خاصة من الوزارة والخدمات في طرابلس وبنغازي تقوم بفحص كافة الحالات التي ترغب بالذهاب للأردن وتقييم وضعها الحقيقي ومعرفة حاجتها الحقيقية للعلاج حسب درجة المرض بعيداً عن المطامع التجارية للمستشفيات, والخطوة الثانية تتمثل بقيام الوزارة بتنظيم علاج كافة المرضى الليبيين في عمان ودراسة دوافع الدخول للمستشفى وحقيقة العمليات والإجراءات التي يخضعون لها ومدة الإقامة في المستشفى ومراقبة تكلفة العلاج وذلك من قبل لجنة محايدة ذات مصداقية غير قابلة للاختراق.
وأخيراً فللوطن حصته من غنيمة المستشفيات الخاصة التي اعتادت هي ومساهموها ورفاق العمولات التحايل على ضريبة الدخل خلال السنوات الماضية فها هي اليوم لا تملك القدرة على مواصلة مسيرتها فعشرات الملايين التي صرفت لحساب هذه المستشفيات من السهل معرفة أين ولمن ذهبت وما هي حصيلة الوطن منها