الجامعات الحكومية.. هل ستنافس نظيراتها العربية على الأقل؟

جفرا نيوز - كتب ا.د. عاهد الوهادنة

أظهرت نتائج مؤسسة «كيو اس» العالمية لتصنيف الجامعات لعام 2020 غيابا تاما للجامعات الأردنية الحكومية عن قائمة أفضل 500 جامعة عالمية في الوقت الذي ظهرت فيه جامعة واحدة من كل من سلطنة عُمان وقطر وجامعتان من الإمارات العربية المتحدة وأربع جامعات من السعودية وثلاث جامعات أميركية موجودة في لبنان ومصر والإمارات.

أما في القائمة «التشجيعية» التي تتضمن «ألف جامعة» فجاءت النتائج كذلك مخيبة للأمآل، أذ ظهرت فيها فقط ثلاث جامعات حكومية أردنية وهي الجامعة الأردنية والعلوم والتكنولوجيا والألمانية الأردنية، في الوقت الذي تفوقت فيه السعودية بعشر جامعات ولبنان والإمارات بثماني جامعات لكل منها.

تُظهر النتائج تراجع الجامعة الأردنية من منزلة 601+ منذ تصنيفها أول مرة قبل حوالي ثمان سنوات إلى المرتبة 601-650 ولم تتأهل الجامعة الأردنية في معيارين إثنين من المعايير الستة وهي نسبة طالب لمدرس ومعيار الإستشهاد. وتراجعت جامعة العلوم والتكنولوجيا من المرتبة 601+ الى المرتبة 651-700 منذ تصنيفها أول مرة قبل حوالي ثمان سنوات ولم تتأهل الجامعة في ثلاثة معايير من المعايير الستة وهي السمعة الأكاديمية والإستشهاد والمدرسين الأجانب. وتراجعت الجامعة الألمانية الأردنية من المرتبة 751-800 منذ تصنيفها قبل حوالي ثلاث سنوات الى المرتبة 801-1000 ولم تتأهل الجامعة في ثلاثة معايير من المعايير الستة وهي السمعة الأكاديمية والإستشهاد والتوظيف.

أما الأسباب الكامنة وراء ذلك فتتضمن إجمالاً: الحاكمية: التي يجب أن يكون لديها قدرات فنية وإدارية وقيادية برؤية خاصة نحو العالمية خاصة مع الدعم الحكومي المباشرللجامعات الحكومية الذي تجاوز «المليار دينار أردني» في الفترة 2001-2019، حسب دراسة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي. إذ أن أقل دعم تلقته جامعة حكومية بلغ حوالي 34 مليون دينار أردني وأعلى دعم تلقته جامعة حكومية بلغ حوالي 160 مليونا. ورغم كل هذا الدعم لم تستطع الجامعات الحكومية المنافسة عالمياً أو عربياً، بل وإن استجابتها لأزمة كورونا أصبحت محل تساؤل وتحمل علامات إستفهام كبيرة.

ومن الأسباب كذلك مؤشر البحث العلمي إذ أن معدل نسبة النشر للجامعات الأردنية لم يتجاوز نصف بحث لكل عضو هيئة تدريسية في العام الواحد. والمطلوب للمنافسة عالمياً أن لا تقل الإنتاجية العلمية عن بحثين لكل عضو هيئة تدريسية في العام الواحد. وحسب محرك بحث SCOPUS فإن مجموع ما نشرته الجامعات الحكومية الأردنية مجتمعة منذ تأسيس أول جامعة وحتى تاريخ هذا المقال يقل عن ما نشرته جامعة الملك سعود لوحدها بحوالي عشرة آلاف إنتاج علمي، وهذا ينسحب على عدد من الجامعات العربية والإقليمية!.

وقد تفوقت جامعة السلطان قابوس على تسع جامعات أردنية حكومية من ذات العمر تقريباً فأقل. بل إن ما نشرته جامعة سنغافورة الوطنية لوحدها بلغ ثلاثة اضعاف ما نشرته الجامعات الحكومية مجتمعة. وأن ما نشرته جامعة نانيانج السنغافورية والتي تشرفت بزيارة جلالة الملك لها قبل حوالي عامين بلغ اكثر من ضعف ما نشرته الجامعات الحكومية مجتمعة.

كذلك فإن معدل نسبة مدرس لطالب في الجامعات الأردنية الحكومية لا يُنافس نظيرها في كثير من الجامعات العالمية والعربية إذ بلغت في المعدل 29:1 ولعل تجاوز النسبة المسموحة لقبول الطلبة من خلال البرنامج الموازي وهي 30% من مجموع الطلبة المقبولين من خلال «القبول الموحد» في بعض الجامعات يضع هذه الجامعات في مراتب متأخرة في التصنيفات المختلفة، ناهيك عن التأثير السلبي الواضح على جودة التعليم والتعلم.

إن استقطاب الطلبة العرب والأجانب عامل يُثري اقتصاديات أي جامعة ويعزز الإقتصاد الوطني ويعكس سمعة الجامعة ويعززها. أن معدل نسبة الطلبة الوافدين في الجامعات الحكومية لم تتجاوز 8% في الوقت الذي تتطلب فيه المنافسة عالمياً أن يكون 25% فأكثر من مجموع الطلبة في كل جامعة.

سمعة الجامعة الجيدة تجذب لها افضل الكفاءات العالمية وهذه الكفاءات تعمل على تطوير التدريس والبحث العلمي وتعزز من تنمية الموارد البشرية المؤهلة لسوق العمل. إلا أن النسبة هذه في الجامعات الأردنية الحكومية لم تتجاوز (2%) ولا تلبي متطلبات التنافسية العالمية.

ومع قناعتنا أن «التصنيف» وسيلة وليس غاية، فإنني أوصي بما يلي: تطوير ملف تقييم الحاكمية نحو تقييم عمل رؤساء واعضاء مجالس الحاكمية جميعها. على أن يكون تقييماً شاملاً وليس سطحيا متسرعاً كالتقييم الأخير اذ يجب أن يشمل زيارات ميدانية ولقاءات مع اعضاء الهيئتين التدريسية والإدارية والطلبة ومناقشة أسباب المشاريع المُتعثرة والاطلاع على مؤشرات اداء تطوير التعلم والتعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع بل والغوص في أدق التفاصيل نحو ابراز نوعية جامعية متميزة وليس نسخا مكررة، فما حدث من استجابة ضعيفة لأزمة كورونا يجب أن لا يتكرر.

كذلك يجب تطوير البحث العلمي نحو الابتكار والربط مع الصناعة وتعديل تعليمات الترقية نحو أبحاث نوعية تستحق النشر في أفضل المجلات العالمية المصنفة ذات الأثر.

وخلق بيئة بحثية وإيجاد آليات تحفيز لأعضاء الهيئة التدريسية لتشجيعهم على زيادة الإنتاجية البحثية النوعية بالإضافة للممارس حالياً. وتطوير التدريس وإتباع النُهج العالمية بما في ذلك تدريس المجموعات الصغيرة وإيجاد آليات لضمان جودة التدريس من خلال العديد من المعايير الخاصة بذلك ومنها تقليل نسبة طالب لمدرس. وعليه يجب إلزام الجامعات الحكومية بالنسبة المحددة من مجلس التعليم العالي لقبول الطلبة على البرنامج الموازي، فما يحدث في الكليات الطبية يُعتبر كارثة. ووضع الجامعات لخطط إستراتيجية لإستقطاب الطلبة العرب والأجانب لتعزيز التنوع الثقافي والوضع المالي للجامعة. والعمل على إستقطاب افضل الكفاءات التدريسية من العرب والأجانب غير المتوفرة محلياً لتنوع الخبرات النوعية نحو تدريس وبحث علمي أفضل.

ويُمكن أن تكون مجاناً من خلال برامج مُحددة أوعلاقات تشاركية منتجة. فعلى الجامعات العمل على إيجاد تشاركية فعلية مع أفضل الجامعات والمؤسسات العالمية والمشاركة الفاعلة في النشاطات الأكاديمية العالمية نحو وضع بصمة في المجتمع الأكاديمي الإقليمي والعالمي، وعمل مقاربات معيارية مع جامعات متميزة ذات نفس الحجم والرسالة ضمن خارطة طريق نحو العالمية.

المسؤولية تقع بالكامل على الجامعات ومجالسها ولا يستطيع مجلس التعليم العالي ولا وزارة التعليم العالي ولا هيئة الاعتماد لعب دور البديل عن الجامعات. وفي الفترة القريبة القادمة ستظهر نتائج 2021، فهل ستنافس الجامعات الحكومية نظيراتها العربية على الأقل؟