إلى متى نتكلم عن الإصلاح دون أن نرى مفاعيله على الأرض
جفرا نيوز- بقلم د. أحمد صالح البطاينه
يملؤنا الفخر والاعتزاز بانتمائنا إلى دولة عريقة نهضت وتطورت بجهود وعلى أكتاف مؤسسيها وأبنائها بالرغم من كل ما حفل به القرن الذي مضى من تحديات هائلة، الأمر الذي يزيدنا يقينا بأن الأردن وبالرغم من كل ما يعانيه حاضره من أزمات سيبقى أردن الأمل في تحقيق كل ما يصبوا إليه مواطنيه.
جميل جداً جداً أن نحتفل بمئويتنا الأولى بكل ما تضمنته من إنجازات مشهوده، ولكن الأجمل أن نتوجها بالمراجعة الشاملة لاستخلاص الدروس المستفادة على مختلف الصعد وعلى رأسها الإصلاح بمفهومه الشامل، لتكون شواخص ماثلة دائماً أمامنا ترشدنا في مسيرتنا وعبورنا المئوية الثانية، وشأن كل مسيرة ممتدة أن يكون فيها الصواب وأن يعتريها أخطاء، فكما أن مئويتنا الأولى في الجانب الأكبر منها تحفل بكل ما جعل وطننا شامخاً، فإن فيها ما عرقل تقدمنا نحو تحقيق الكثير الجوهري من تطلعات مواطنيه.
إن أرشيف الوطن حافل بكل القضايا التي تؤرق مجتمعنا وبكيفية التعامل معها، ولا بد من وضع أيدينا على أسباب عدم الشروع في وضعها موضع التطبيق الفعلي عبر آليات لا تخضع للتلاعب والعبث أوالمهادنه، وهذا هو التحدي الحقيقي الذي يجب علينا جميعاً مواجهته بكل أمانة وجرأة ووعي وصراحة ووضوح إذا أردنا فعلياً أن نستهل مئويتنا الثانية بأمل وتفاؤل لتحقيق الإصلاح المنشود على صعيد كل القضايا التي تعاني منها دولتنا ومواطنيها.
فبعد تسع سنوات من صدور الورقة النقاشية الأولى المعنونة بـ "مسيرتنا نحو بناء الديمقراطية المتجددة”، وأربع سنوات من صدور الورقة النقاشية السابعة المعنونة بـ "بناء قدراتنا البشرية وتطوير العملية التعليمية جوهر نهضة الأمة” لا يزال الإصلاح بمفهومه الشامل في الأردن لم يغادر مربع الكلام الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.
لقد حملت الأوراق النقاشية مجموعة من الأفكار والرؤى الملكية التي من شأن ترجمتها الى قوانين واجراءات أن تدعم المسيرة الاصلاحية التي اطلقها جلالته، ويأمل تحقيقها غير أنه لم يُسجل لأية سلطة حكومية أو مؤسسة حزبية تقديمها أية مقترحات لتفعيلها منذ إطلاقها، والأغرب من ذلك وبعد مرور خمس سنوات من صدور الورقة النقاشية الأولى قرر مجلس الأعيان مناقشة الأوراق الملكية السبع بعقد سلسلة جلسات تشاورية عقدت على مدار ثلاثة أسابيع لبحث ومناقشة الاوراق النقاشية السبعة، وقد أتى اهتمام المجلس بالاوراق النقاشية الملكية في اعقاب انتقاد وجهه جلالة الملك خلال لقاء جمعه برئيس مجلس النواب ورؤساء اللجان النيابية أكد خلاله بأنه لم يرى تطبيقاً كافياً من قبل المؤسسات المختلفة مع ما حملته الأوراق النقاشية وقال ” قدمت أكثر من ورقة نقاشية لشعبي، ولكنني لا أرى أن هناك تطبيقاً كافياً من قبل المؤسسات المختلفة، فلا بد أن تنعكس هذه الأفكار على أرض الواقع من خلال الفعل وليس القول فقط ".
وبعد هذه النقاشات ومرور مدة طويلة على صدور هذه الأوراق النقاشبة لم نسمع لا من الحكومات المتعاقبة ولا من مجلس الأعيان ولا من مجلس النواب إلا جعجعة ولم نرى طحناً وهم بحكم مسؤوليتهم من يجب أن يتصدى للعمل على ترجمة ما تضمنته الأوراق النقاشية إلى قوانين وإجراءات فعلية ملموسة على أرض الواقع.
إن ما تقدم يدعو إلى الشك بيقين بأن الإرادة الفعلية للإصلاح إن لم تكن غير موجودة فإنها على أقل تقدير لا تؤخذ على محمل الجد، فالإصلاح ليس بأحجية ولا هو بلغز وطريقه ومفاعيله واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، وكفانا حديثاً عن الإصلاح فقد أصبح ممجوجاً ويدور في حلقة مفرغة وكأنه هو الغاية فقط، وإذا أردنا فعلياً مئوية ثانية تليق بوطننا وشعبنا وبالعصر الذي نعايشه ويعايشنا، يترتب علينا أن ننقل الإصلاح بمفهومه الشامل وسلسلة منظومتة المتكاملة والمتداخلة التي لا يجوز استثناء أي حلقة منها من مربع الكلام إلى استراتيجية تطبيقية تجسده مفاعيل على الأرض عبر قوانين وأنظمة واجراءات إصلاحية على كل صعيد ليصبح ثقافة سائدة تنطلق أولى أرهاصاتها مع انطلاق مئوية الأردن الثانية.