في الثامن من آذار .. ندور حول أنفسنا

جفرا نيوز - جهاد المنسي

كالمعتاد، وفِي مثل هذا اليوم ( الثامن من آذار) نقف جميعا نستحضر المخزون اللغوي العربي، نزور بُطُون الكتب، نستحضر كل ما يتعلق بالمرأة، نضع الاقنعة على وجوهنا، ونهتف كلنا (الا ما ندر) ونتوجه للمرأة لنقول لها كل عام وانت بألف خير، نزجي للمرأة عبارات الثناء ونتحدث عنها بكل اناقة ومدنية وتقدمية، نريد ان نشعرها في هذا اليوم أن لها ما لنا وعليها ما علينا.
وبعد.. تغيب شمس الثامن من آذار فيذهب كل الى ما قيض له، يعود بَعضُنَا لساديته الاولى، يشتم وربما يضرب، وربما يكبل، متناسيا ما قاله في يوم المرأة عندما كان يضع قناع الإيمان بالمساواة والدفاع عن حرية المرأة ككيان وانسان.

هو أنهى ما عليه، احتفل، وخطب، ووزع الابتسامات، وربما ساهم في ذلك اليوم بتكريم نساء مبدعات، وربما استنكر كل أشكال العنف الذي يمارس ضد المرأة، وطالب بمزيد من الحريات ووقف كل أشكال التمييز الجندري ضدها، هو نطق بما تمليه المناسبة، وخطب بما يتماشى مع السياسة العامة ويريد ان يبدو متماشيا مع سياسة الدولة، وان يبدو اكثر تقدمية ويؤمن بما يقول.

يذكرني المشهد تماما برائعة العملاق دريد لحام في فيلم الحدود عندما ألقى الكبير والصغيروالوزير والغفير كلمات مؤيدة لقضيته رافضين بقاءه مقيما هو وزوجته عند نقطة الحدود المشتركة بسبب ضياع جواز سفره، وعندما انتهى المهرجان الخطابي التضامني عاد الخطباء كل الى مكانه فيما لم يسمح لصاحب القضية بعبور الحدود.

المرأة لا تريد الاحتفال بها بكلمات رنانة، وانما تسعى خلف حقوقها، فهي تريد مساواة في التعامل سواء في البيت او خارجه، تريد ان يعترف المجتمع بحقها وحق ابنائها بجواز السفر الذي تحمله وجنسيتها، تريد ان تعامل كما الرجل وعلى قدم المساواة معه، تريد ان تكون مكتملة الحقوق والواجبات، لا ان نستذكر حقوقها في الثامن من آذار فقط ونغيب عن حقها بقية العام.
ترى ما الذي تغير هذا العام عن الماضي، فجرائم الشرف التي تُمارس ضد الأنثى نفسها وربما ارتفعت، وكأن الأنثى وحدها المسؤولة عن الشرف فيما يفاخر الرجل بعلاقاته الأنثوية دون مشاكل تذكر!

أيها السادة … تمكين المرأة ليس كلمات فقط وإنما بتعديل القوانين والانظمة المتعلقة بها، اذ لا يحوز ونحن في الالفية الثانية ان تبقى النساء حتى اليوم يسعين خلف تمكينهن والحصول على حقوقهن، كما لا يجوز ان نبقى نتعامل مع المكتسبات التي حصلت عليها المرأة وكأنها مكارم، فأي تعديل إيجابي يَصب في صالح المرأة هو حق لها تأخرنا في إقراره، وأي وصول للسيدات لمراكز صنع القرار ايضا هو حق لها وليس دعما فقط، اذ لا يكفي ان نقول ان المرأة هي الأم والزوجة والأخت فقط وإنما علينا ان كنّا فعلا وقولا نريد الذهاب لتمكينها ان نعيد النظر بكل القوانين التي تعيقها.

لاحظوا معي ان نسبة الطالبات المتفوقات في الثانوية العامة تفوق الذكور وكذلك نسبة حضورهن في الجامعات، ولاحظوا ايضا ان حضورهن لاحقا في الحياة العامة ومواقع العمل والإنتاج وصنع القرار متدن، ترى لماذا يحدث ذلك؟ ومن يعيق المرأة ويمنعها بشكل مباشر او غير مباشر من مواصلة السير للأمام؟ من يعيق تقدمها؟ الم يحن الوقت لكي ننفض الغبار عن افكارنا تجاه المرأة ونرفض الذكورية التي نعاملها بها؟، فالمرأة تستحق الدعم والإسناد ليس بالكلام فقط وإنما بإعادة النظر بكل القوانين التي تحد من مواصلة توهجها.
للمرأة الحق كل الحق في منح جنسيتها لأبنائها ومنحهم جواز سفر بلدها، وكفانا اختباء خلف اصبعنا لكي نمنع ذلك الحق عنها بحجج غير واقعية ووهمية.