العرب .. خارج ملعب العولمة

جفرا نيوز - فداء المرايات 

بالعولمة قامت بلدان ، وصعدت إلى مسرح القوة دولا عديدة ، وإن هذا الانفتاح الذي روجت له الحضارة الأمريكية ، خلق فجوة هائلة في المُلكية لا يغفر لها الزمن بين دول العالم ، فالعالم الأول ازداد ثراء والعالم الثالث غرق بشكل مفرط في الفقر دون بارقة أمل بانتشاله أو نظرة حزن حقيقية ترأف بحاله المتردي .
 
يبدو أن أطروحة مؤسس الاقتصاد السياسي آدم سميث
 
" دعه يعمل .. دعه يمر " ، تعبيرا عن حرية الانتقال والاسواق الحرة التي تسمح بحركة الافراد والسلع والمال والخدمات حول العالم ، لم تكن إلا تأشيرة مزودجة لتجويع العالم الثالث واثراء العالم الأول في آن واحد بدون عدالة ، ولعنة على دول تمتلك كل ما يخطر بالبال من مواد للخام ولكنها منهوبة ومسلوبة ، تباع موادها بالفتات من المال ، وتعود اليها كمنتجات مصنعة بمئات الدولارات ، فالشركات المتعددة الجنسيات او كما تدعى العابرة للقارات والفوق قومية ، هي كمصاص دماء لا يعرف الرحمة لقدرات وطاقات العمالة الوطنية في الدولة الفقيرة وناهب رئيسي لخيرات الدولة من مواد اولية ومعادن وغيرها ، ومحتكر حقيقي وشرس يمنع هذه البلدان من توطين التكنولوجيا ، والنهوض الحقيقي ، ومُستَعبِد معاصر يفرض أجورا زهيدة ، ورواتب أشبه بالسخرة تعطى نظير شهر كامل من العمل بلا هوادة ، في حين أن الأجر في الدول المتقدمة يكون نظير الساعة الواحدة والكثير من الامتيازات ..

وما حثني لكتابة هذا المقال وجود عشرات البلدان في أفريقيا وآسيا التي تتلوى شعوبها في معركة الجوع راضخة لواقع تعيس ، والعالم العربي ليس بعيدا عن هذه اللوحة بل في عمقها يقبع ويتغلغل ..

نبكي كل مساء على قدسنا الغراء ، ونتألم في كل حين على أقصانا ، لكن كيف لنا النهوض وكيف لنا الصمود ونحن مبحرون في زمن التبعية ؟! ، غارقون في ديون البنوك العالمية ؟! ، صدقوني زمن الرقيق لم ينتهي ، بل تغيرت أشكاله وتحدثت أساليبه ، فالعبودية الآن بلغت أعاليها ، فالأوطان أصبحت تعمل خدمة لدول الثراء ، كالعبيد لا تكل ولا تمل ، وبالكاد تملك قوت يومها ، هذا حال عروبتنا ، جاءت إلينا العولمة لتفتح الأسواق لمنتجاتهم وبضائعهم لتصدر إلينا كل جديد وغريب وعجيب ومناسب وغير مناسب ، ويروق لنا أو لا يروق ، ويتواءم مع مفاهيمنا أو لا يفعل ، المهم أن ينتجوا أكثر وتتسع الفجوة مابين العالم الأول والعالم الثالث ، وتزداد الدول الغنية غنى وتزداد الفقيرة حاجة وعوز للعالم الأول ، فمنتجاتنا لا تملك معايير المنافسة مع ما ينتجون ، فمعايير التصنيع فارقها كبير ، وهكذا تسير منظومة الحضارة بصورتها المعاصرة ووصفتها الاستعلائية ، والشعوب العربية انقسمت بالعولمة لمن انعزل عنها ولمن تأثر بها ثقافيا وبات منسلخاً عن دينه وعروبته وشرقيته في أفعاله وعاداته وهندامه وكل شيء ، وبين من وقف وقفة الذي يسب ويشتم دون أن يدرك ما سر هذا الحال ؟!

 ولكي ينتهي هذا الحال نحتاج لثورة أخلاق ندك بها عقولنا ونشأنا ، وثورة تعليم ننسى بها ما تعلمناه من حروف مرصوصة في كتب بكماء لا حياة فيها ، نحتاج لأن نحترم أنفسنا ونعلم ما نريد ، نحتاج لأن نشد على أزر المعلم ، والجندي والفلاح ، وأن نؤمن بأنفسنا ، وأن نتمسك بديننا ، وأن نزرع أرضنا ، ونحصد قمحنا ، ونجني رزقنا ، ونرتدي منتجنا ، وأن نبتعد كل البعد عن أصنام ودمى وجدت لتغير مسار أجيال بأكملها ، نحتاج لأن نتبرأ من عالم التزيف والتكلف من مغردين ومصفقين على الشاشات بعقولنا وأذاننا وهواتفنا وألا نركض بحثا عن فيلم جديد أو أغنية هابطة أودت بحياة أبناءنا إلى الهاوية ، نحتاج لأن يصبح الواحد منا قدوة لأسرته وجاره وزميله ومديره ، فصدقوني أعظم الأشياء تبدأ من صغائرها وعروبتنا المفقودة تبدأ منا من منزلنا وانتماءنا وعدم البحث في وحل القيل والقال وعدم الانشغال عن الانتاج والعطاء وفعل الخير والانشغال بالذات عن الآخرين، فكم هو شعور عظيم أن تصبح فردا منتجا ، عندها فقط ستدرك الدول الأخرى أننا شعوب لا يستهان بها ، نحتاج فقط أن نبدأ من دواخلنا لننهض بأمتنا .. وما لم نعود أمة اقرأ فصدقوني لن نتحرر ولن نعرف مذاق الحرية ، ولكي تقوم دولة لا تستكين ، ابني فردا فاعلا فيها لينهض المجتمع وتنهض الدولة ..

لهذا نتساءل أين العروبة اليوم في مضمار العولمة ؟!
 
ومن منا ينسى مدنًا عربية ذات مدد عظيم كبغداد والبصرة ودمشق وقرطبة والقيروان ومراكش وفاس؟ ومن ينسى ما أسدته هذه المدن من أفضال على العالم في شتى العلوم والمعارف والتراث والقيم والأصالة العربية؟ لقد كانت هذه المدن العربية الإسلامية منارًا للعالمين وملجأ لطلبة العلم الذين يقصدونها من كل حدب وصوب.
 
فبغداد كانت مركزا فكريا لا يدانيها في الدنيا احد وكانت والاندلس مركزي الاشعاع الحضاري في العالم فلماذا لا تكون العولمة عربية كما كانت ؟؟!! ..

فداء المرايات
كاتبة وباحثة سياسية
ناشطة في مجال حقوق الانسان