في عيدها الوطني الكويت التي قالت لا للتطبيع

جفرا نيوز - مهدي مبارك عبد الله

احتفلت دولة الكويت الشقيقة في 25 / 2 / 2021 بالذكرى الستين ليومها الوطني (وهو اليوم الذي تولي فيه الشيخ عبد الله السالم الصباح مقاليد الحكم عام 1950 ) إضافة إلى إحيائها للذكرى الثلاثين لعيد التحرير وهي مناسبات عزيزة على قيادة وشعب الكويت والأمة العربية في ظل قيادة سمو الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت وبكل العرفان والإجلال لدور ومكانة سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح طيب الله ثراه الذي وافاه الأجل بعد مسيرة حافلة بالعطاء والإنجازات والمبادرات محليا وإقليميا وعالميا

من الضروري في البداية التذكير بعمق العلاقات الكويتية الفلسطينية والإشادة بدعم دولة الكويت المبدئي والثابت لفلسطين وشعبها الذي يناضل في الداخل والشتات ضدّ الاستيطان والاستلاب ويقدم منذ عقود طويلة شلالاً متواصلاً من الدماء والتضحيات لانتزاع حرياته واستعادة حقوقه وتحرير أرضه التي لا يريد سواها في أي مكان في العالم
 
الكويت كانت وما زالت واحدة من الدول التي ترفض شعبا وحكومة أي علاقة او حتى اتصال ولو كان فرديا مع ما تعتبره منذ عشرات السنوات " العدو " وهي تذهب عميقا في انتمائها الفاعل والجدي والأصيل لفلسطين عبر تاريخها المشرف ومواقفها الراسخة والتي كانت دائما تأبى التنكر لقيمها وثوابتها الأصيلة الداعمة للحق العربي الفلسطيني منذ اندلاع الصراع العربي الإسرائيلي وعبر جميع المراحل وفي شتى المجالات

وكم كان لافتا وبشكل كبير رد القوى الشعبية والسياسية الكويتية بمختلف اتجاهاتها على تصريحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قبل مغادرته البيت الأبيض بقليل والتي زعم فيها بان الكويت ( متحمسة للتطبيع مع دولة الاحتلال ) حيث قال أبناء الكويت بلسان عربي مبين وموقف نبيل وعظيم كلمتهم باننا ( لن ننسى دماء الشهداء وعذابات الأمهات والأطفال والأسرى والجرحى وتضحيات الأجيال طوال عقود القهر والعدوان الصهيوني على فلسطين والقدس الشريف ) وقد سارعت 41 منظمة كويتية الى تجريم التطبيع مع كيان الاحتلال ولا يفوتنا في هذا المقام التذكير بمواقف الحكومة الكويتية الثابت ( بالتزام دولة الكويت بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني ودعم خياراته وتأييدها لكافة الجهود الهادفة إلى الوصول إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران عام 1967وبما يضمن إنهاء الاحتلال وعودة اللاجئين وفق قرارات الشرعية الدولية وحل الدولتين ومبادرة السلام العربية )
 
دولة الكويت تعتبر من أكبر الداعمين لدولة فلسطين في كافة المنظمات والمحافل الدولية دون استثناء ومواقفها المشرفة في الأمم المتحدة وتصديها لعدة قرارات تضر بدولة فلسطين شواهد حية إيمانا منها بأن القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى والمركزية وهو ما تجلى بالسعي الكويتي الحثيث لدفع العالم للاعتراف بدولة فلسطين

كما ساعدت الكويت في تقديم مساعدات نقدية عاجلة لأصحاب البيوت التي دمرت بشكل كامل خلال العدوان على غزة أعوام (2008 / 2012 / 2014) وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية للجرحى والمصابين و تقديم المساعدات والطرود الغذائية للأسر التي نزحت عن بيوتها وقد نفذت مشروع إعادة أعمار 202 وحدة سكنية في القطاع بأكثر من 6 ملايين دولار بتمويل من برنامج دول مجلس التعاون لإعادة أعمار غزة
 
وقد برزت وتجلت المواقف الكويتية الداعمة لدولة فلسطين حين هاجم رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم الوفد البرلماني الإسرائيلي خلال المؤتمر الـ137 للاتحاد البرلماني الدولي الذي انعقد في مدينة سانت بطرسبورغ الروسية مما أجبر الوفد البرلماني الإسرائيلي على الانسحاب من اجتماعات الاتحاد البرلماني أثناء إقرار التقرير الخاص بأوضاع النواب الفلسطينيين في سجون الاحتلال

وبالرغم من الضغط والحض الأميركي المتواصل للحاق بمسيرة التطبيع إلا أن إقامة الكويت لعلاقات مع إسرائيل يبدو بعيد المنال بحكم مواقفها اللافتة للانتباه إلى حد أن الإدارة الأميركية وصفتها من خلال جارد كوشنير الذي انتقد الموقف الكويتي الرافض للتطبيع ووصفه ( بالمتشدد وغير البناء والمنحاز للفلسطينيين ) وأضاف بان الطريق الحتمي هو أن تطبع كل دول الشرق الأوسط مع إسرائيل لما في ذلك من مصلحة للعديد من دول المنطقة ولا سيما في الجانب الاقتصادي ولهذا عليها أن تعجل اعترافها بإسرائيل وتقيم علاقات معها لتحصل على ( ثقة أمريكا ) وفي حينها تعمد كوشنير أن يستثني الكويت من جولته الخليجية وكل ذلك اعتبره مراقبون كويتيون مؤشرا لنية واشنطن ممارسة الضغوط على الكويت للاعتراف بإسرائيل
 
هناك شريحة كبيرة من المجتمع الكويتي ترفض أي نوع من التطبيع مع إسرائيل من منطق ديني ومنطلق إيديولوجي وتعلن موقفها هذا صراحة كقوى سياسية واقتصاديةً واجتماعية ولهذا فإن أي قبول بأي نوع من التطبيع مع إسرائيل سيؤدي إلى اختلال وتصدع داخلي كما أن البرلمان في الكويت يمتلك سلطة فعلية لمراقبة الحكومة والتحكّم في سياساتها ومواقفها عبر آلية الاستجواب وسحب الثقّة من أعضائها كما يقر البرلمان الكويتي بأنه لا دستورية ولا فانونية للتطبيع مع إسرائيل وفي موقف آخر لدعم القضية الفلسطينية اعتبرت خلال بيان أصدره 41 نائباً من أصل 50 يشكلون مجلس الأمة الكويتي ( قضية العرب والمسلمين الأولى قضية مركزية في السياسة الكويتية )

لم تعترف الكويت بما يسمى ( صفقة القرن ) وكلنا يتذكر أثناء كلمته أمام المؤتمر الطارئ للاتحاد البرلماني العربي الذي عقد بعمان في 8 / 2 / 2020 حينما رمى رئيس البرلمان الكويتي مرزوق الغانم نسخة من صفقة القرن في سلة المهملات قائلاً إن تلك الصفقة ( ولدت ميتة ومكانها مزبلة التاريخ ) والكويت اليوم تلتزم رسمياً بمقررات القمة العربية في بيروت 2002 وبالمبادرة السعودية التي تحولت إلى مبادرة عربية للسلام تقوم على شرط تطبيع علاقات الدول العربية مع إسرائيل مقابل انسحاب الجيش الإسرائيلي حتى حدود حزيران 1967 وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وتسوية مسألة اللاجئين الفلسطينيين

لقد عاد شعار ( لا للتطبيع مع إسرائيل ) من جديد وبقوة إلى الساحة الكويتية مؤخرا على وقع إعلان بعض الدول العربية تطبيع علاقاتهما مع إسرائيل وما تلاها من تصريحات أميركية للرئيس ترامب حول الكويت عقب لقائه في 18 / 9 / 2020 بنجل أمير الكويت الراحل الشيخ ناصر صباح الأحمد الجابر الصباح بمناسبة منحه وسام الاستحقاق العسكري الأميركي من الدرجة الأولى حيث قال ترامب ( بأن الكويتيين متحمسون جداً بخصوص ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط وبخصوص مساهمتنا في توقيع بعض اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل والكويت قد تصبح قريباً البلد التالي الذي سيطبع علاقاته مع إسرائيل ) وقد اعتبر الكثير من الكويتيون هذه التصريحات المستفزة تدخلا أمريكيا سافرا في شؤونهم الداخلية لدفع بلادهم نحو التطبيع

إما الشارع الكويتي وفي تجسيد للموقف الشعبي فقد سارع في التعبير عن غضبه وموقفه حيث أطلق كويتيون هاشتاغ ( #كويتون ضد التطبيع ) والذي لاقى انتشاراً واسعاً حتى أن بعض الأحياء السكنية في العاصمة الكويتية تسابقت إلى نصب مجسمات لخارطة فلسطين الطبيعية ورفعت لافتات تناصر الفلسطينيين وتدين الاحتلال وفي المباراة الأخيرة لتصفيات كأس الأمير لكرة القدم في 21 / 9 / 2020 رفع اللاعبون الكويتيون والمشجعون لافتة ضخمة كتب عليها ( لا للتطبيع مع إسرائيل ) وكذلك فقد تسابقت أكثر من 31 جمعية ورابطة إلى إصدار بيانات استنكار وتنظيم وقفة احتجاجات أمام السفارة الفلسطينية ( يوجد في الكويت رأي عام شعبي حر قادر على أن يلعب دور الداعم لأي قرار تتخذه حكومته بما في ذلك رفض التطبيع مع إسرائيل مهما اشتدت الضغوطات الخارجية )

لم يتغير موقف الكويت الرسمي تجاه القضية الفلسطينية على مدى عقود من الزمن حيث تساوق وتوحد الموقف الرسمي والشعبي وتردد كثيراً في الخطابات الرسمية وغير الرسمية بان الكويت ( لا تعترف بوجود دولة إسرائيل ) ولا زالت تطلق عليها وصف الكيان الصهيوني أو فلسطين المحتلة وتسمي في القنوات التلفزيونية الرسمية الخاصة من يقتل من الفلسطينيين ( بالشهداء والدفاع الفلسطيني بالمقاومة الفلسطينية ) وكل تحرك إسرائيلي ضد الفلسطينيين ( بالاعتداءات الصهيونية ) وتعتبر أية دعوة للتطبيع خيانة وجريمة بحكم القانون والدستور

مقاومة الكويت للتطبيع مع إسرائيل لها تاريخ طويل منذ نكبة عام 1948ففي العام 1957 تأسس ( مكتب مقاطعة إسرائيل ) وفي عهد الأمير الراحل الشيخ صباح تأكدت منهاجيه مقاومة الكويت للتطبيع والتصدي له من خلال إنشاء العديد من ( لجان مقاطعة الصهاينة وإقامة العديد من الملتقيات الرسمية والشعبية المقاومة للتطبيع ) و ( منع الإسرائيليون من ركوب طائرات الخطوط الجوية الكويتية ) كما تم إنشاء ودعم ( المؤتمر الشعبي لمقاومة التطبيع مع إسرائيل ومقره الكويت وهو مبادرة رسمية ترتبت عليها هبة وحركة شعبية واسعة لمقاومة التطبيع والتحذير من مخاطره حيث يحظر قانونيا في الكويت على الأشخاص الاعتباريين والطبيعيين من مستخدمي شبكة الانترنت ووسائط الاتصال الإلكترونية التعامل والتعاقد الإلكتروني مع المواقع والخدمات الإلكترونية المنشأة في إسرائيل أو التابعة لها أو الشركات المتواطئة والداعمة للاحتلال وتحجب الجهات المختصة كافة المواقع والخدمات الإلكترونية الإسرائيلية

وبالرغم من التشريعات الناظمة والنافذة التي تقاوم مسارات التطبيع إلا ان خمسة من أعضاء مجلس الأمة الكويتي تقدموا باقتراح لتشريع قانون مستقل يحظر كل أنواع وأشكال العلاقات مع إسرائيل ويمنع أي تطبيع أو توقيع اتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني مهما كانت الأسباب وحتى أثناء الغزو العراقي للكويت عام 1990 وقمة الألم وعمق الجراح عندما سأل صحافي أميركي أمير الكويت آنذاك الشيخ جابر الأحمد الصباح عن تطبيع الكويت مع إسرائيل أكد ( أننا سنكون آخر دولة تطبع مع إسرائيل )

تاريخيا يتوجب التأكيد بان الجيش الكويتي كان موجوداً على ساحات القتال ضد الكيان الصهيوني وقد سقط منه الشهداء على الجبهة المصرية في الحرب التي اندلعت بين مصر وإسرائيل على ضفتي قناة السويس في تموز 1967 وكذلك على الجبهة السورية خلال الحرب التي اندلعت في هضبة الجولان بين سوريا وإسرائيل في تشرين الأول 1973وعلى مستوى الشعب الكويتي هناك من شارك في القتال الى جانب قوات الثورة الفلسطينية في كثير من المعارك داخل فلسطين وعلى حدودها وفي مقدمتهم الشهيد الفدائي الشيخ فهد الأحمد الجابر الصباح

ولا ننسى قبل الختام بيان دور اللوبي الصهيوني العالمي الذي مارس شتى أنواع الضغوط على الكويت حيث قاد وموَل حملة دعائية مغرضة في الصحافة الغربية للتشهير بالكويت على أنها دولة تمارس التمييز العنصري ضد اليهود عندما رفضت الخطوط الجوية الكويتية صعود راكب إسرائيلي على متن إحدى رحلاتها في ألمانيا عام 2018 وبرغم أن الكويت ربحت الدعوى القضائية التي رفعها ضدها الراكب الإسرائيلي إلا أن اللوبي الصهيوني استمر في توظيف الدعوى لتحقيق دوافع وأهداف سياسية ضد الكويت ومثل ذلك حملات التشهير التي تمارس ضد قوانين العمل والأسرة في الكويت لتمرير أجندات سياسية معينة

دولة الكويت تعتبر صوت العقل والحكمة والخبرة المتزنة في دول الخليج العربي في تعاملها مع قضايا الأمة ودول الإقليم في المنطقة والدول المجاورة وللكويت والكويتيين احترام كبير في الأردن ليس على الصعيد الرسمي فقط بل على الصعيد الشعبي بفضل المواقف العربية والقومية المشرفة للكويت التي تتمسك بثوابت الأمة وتعمل على تحقيق مصالحها وبهذه المناسبات الوطنية الغالية ندعو الله ان يحفظ الكويت الشقيقة بيت العرب الرصين قيادة وشعبا وأرضا وان تبقى شامخة وراسخة كعمود صلب للبيت العربي في دفاعها عن مصالح وقضايا الأمة العربية والإسلامية وان يديم عليها وشعبها الأمن والأمان والتقدم والاستقرار والازدهار
 
mahdmublat@gmail.com