الأمن العام بين تأكيد الحقائق وتناقل الإشاعات

جفرا نيوز - مهدي مبارك عبدالله

كثرت التحذيرات والتصريحات التي أطلقتها مديرية الأمن العام بخصوص تناقل الإشاعات او تداولها دون التأكد من صحتها وبان ذلك يستوجب الملاحقة القانونية تارة من خلال ناطقها الرسمي وأخرى عن طريق وحدة مكافحة الجرائم الالكترونية والتي تدعو وتنبه بشكل مستمر المواطنين إلى عدم نشر المعلومات المغلوطة وغير الصحيحة أو تداول مقاطع الفيديو المفبركة او الملتقطة خارج البلاد إضافة إلى ترويج الصور القديمة لإيهام وتضليل الآخرين بأنها وقعت في إحدى المحافظات الأردنية كما حصل مؤخرا
 
في غير مرة وفي أوقات مختلفة تداول ونشر أخبار وإشاعات تخص مديرية الأمن العام كشراء 200 مركبة جديد ووضع رادارات عليها للمخالفات وبيع مبنى مديرية الدفاع المدني لمستثمر أجنبي ووقف التعامل مع شركات الكهرباء والمياه فيما يتعلق بقضايا الاعتداء على الشبكات والسرقات منها ونتذكر جيدا كيف تم نقل بعض المنشورات وجرى تداولها في دول مجاورة حول وجود غازات سامة في الجو تؤثر على سلامة الأشخاص وتتسبب أضرار لهم ناهيك عن الكم الهائل من الصور والفيديوهات التي يتم نشرها تباعا والتي لا يتسع المقال لذكرها

الشائعات ظاهرة اجتماعية قديمة جداً ألا انه مع استخدام الوسائل الحديثة أصبح تناقل الأخبار الكاذبة وترويجها أمراً سهلاً وسريعاً جداً ووصولها إلى ألاف الأشخاص خلال فترة زمنية قصيرة ولا شك بان وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة ( الفيس بوك والواتس اب وتوتير وقنوات اليوتيوب ) لها إيجابياتها إلا أنه لابد من الحذر من سلبياتها حيث أن البعض استخدمها بطريقة سيئة لنشر وترويج الشائعات الالكترونية وما ينطوي على ذلك من خطورة كبيرة في مقدمتها زعزعة الأمن والاستقرار داخل المجتمع والمساس بنظام وهيبة الدولة وتوسيع رقعة الجهل بالحقيقة وزيادة الجرائم بحق المستضعفين وهي لا تقف عند تدمير العلاقات والصداقات فحسب وإنما ساهمت في مرات متعددة بهزيمة جيوش بأكملها

المسؤولية القانونية والإدارية والأدبية في مكافحة هذه الظاهرة لا تقتصر على مديرية الأمن العام ودوائر إنفاذ وتطبيق القانون الأخرى فقط بل ينبغي ان تسود روح التعاون والمسؤولية المشتركة لدى كافة الإفراد ومختلف مؤسسات الوطن ضمن شراكة مجتمعية مسؤولة لمكافحة انتشار الشائعات المغلوطة والأخبار الكاذبة والأحاديث غير الدقيقة عبر منصات التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية بشتى أنواعها المزورة والحقيقية منها لا سيما في هذه الظروف الاستثنائية الراهنة والتي تتمثل بانتشار فيروس كورونا وبما يمثله من أزمة عابرة للحدود تهدد الجميع في هذه المراحل الصعبة حيث تقوم الشائعات عبر الانترنت بصناعة المعلومة الكاذبة وتضخيم محتواها وتشويه الأحداث حولها ومن ثم نشر سمومها على المللآ

ولا بد هنا من التأكيد بان خطر واثر الإشاعة والأخبار غير الموثوقة يكون أكبر من أعراض مرض كوفيد 19 نفسه لما تسببه من نشر للذعر والخوف وتهديد للاستقرار وطمأنينة الفرد والعائلة وبالتالي المجتمع في ظل التهويل والمغالاة بالحديث عن المرض وأعراضه وأخطاره وآثاره على الحياة العامة وانعكاسه السلبي على الاقتصاد والأعمال وأخيرا الدعوة المريبة الى عدم تلقي اللقاحات لما لها من إعراض جانبية غربية وإضرار جسدية عديدة

معلوم للجميع بان الإشاعة تشكل معول هدم فتاك وان نشر أي أخبار كاذبة أو شائعات من شأنها إثارة الهلع بين المواطنين وبما يؤثر سلبا على حياتهم اليومية فضلا عما تشكله من خرق للخصوصية وهي جريمة مرفوضة يعاقب عليها القانون والؤسف ان المجتمع أصبح يحتضنها ويتبناها ضمن خانة ومفهوم الرأي العام لدى البعض

لم تعد الشائعات مجرد نميمة على فرد أو مجموعة من الناس بل بدأت تأخذ مكانها كأداة هامة للقيام بحرب شبه منظمة ضد الدولة ومؤسساتها المختلفة باستخدام رسائل وصور وفيديوهات تحريضية تثير البلبلة خاصة لدى جزء كبير من المجتمع وتؤثر بشكل أكبر عند عامة الناس غير المثقفين الذين بدورهم يضخمونها وينشرونها على أنها حقائق مثبتة لا يمكن التشكيك بها في وقت يعتمد فيه الكثيرون على معلومات مستقاة من مواقع التواصل الاجتماعي دون الرجوع إلى الواقع أو حتى مقارنتها مع معلومات أخرى منها أكثر دقة وصدقية

الشائعات هي أخطر المعلومات فهي خبر يتم نقله دون التأكد من صحته لذلك تعتبر من أقوى الأسلحة التي تساهم في تدمير المجتمعات والأشخاص وتشويه حقيقية الكثير من الأبرياء وتحطيم صور المخلصين والأوفياء وزيادة تخلف الأجيال والمجتمعات وتفكيكها وهدم الأخلاق والقيم وإحداث فجوة فكرية بين الناس وزعزعت الثقة في المجتمع وإحداث خلل عام في العمل والبناء والتطوير من خلال إلغاء حقيقة مثبتة والتعويض عنها بمعلومات مبهمة وغير واقعية


تتميز أيامنا هذه بكثرة بث الإشاعات والترويج لها وهذا ما يجعلنا نبحث عن سبل الوقاية والابتعاد عن أثارها السلبية وأهم تلك الطرق هو عدم تبني الأفكار التي تثير الجدل والأحقاد بين الناس والترويج لها كما على الشخص أن يتأكد من المعلومات التي تبث له وعدم التصديق الأعمى والتسليم بها حتى لا يقع في فخ المغالطات التي تهدد الاستقرار الاجتماعي وتنتهك شؤون وحياة الآخرين و تخرق خصوصية الأشخاص بطريقة مقصودة أو غير مقصودة كنشر الصور وإفشاء المعلومات الخاصة وسواها

من المهم هنا أن نذكر بما فعلته الصين خلال أزمتها مع مرض كورونا حيث لجأت إلى كشف المعلومات الكاذبة والإشاعات التي بثت عبر شبكة الانترنت والتي أثارت الرعب بين مواطنيها وهددت استقرار البلاد والأمن فيها حيث سارعت للكشف عن أسماء الأشخاص المتورطين ببث وترويج تلك الشائعات ومحاسبتهم قانونياً لما سببوه من ذعر اجتماعي واليوم ليس مجتمعنا بعيداً عن تلك الأمثلة فمعظم ما تمر به البلاد من أزمات يبدأ بإشاعة تتضخم لتتحول إلى حقيقة وواقع لا مفر منه عبر التضليل والتشويه للحقائق حتى أصبحت الإشاعة قوة هيمنة وقدرة تشويش على فهم وإدراك رأي العام عند بعض المتلقين


لا نستطيع هنا تجاهل أهمية الرأي العام للمجتمع وتأثيره في اتخاذ القرارات الهامة مقابل حالة استشراء هذا المرض السرطاني الخبيث ومن هنا على الجهات التي من شأنها متابعة البحث في المحتوى الذي يقدم للجماهير عبر الانترنت كشف مصدر الشائعات ورصد مفتعليها ومن الواجب على الحكومة أيضا إظهار المعلومات الدقيقة والصحيحة بشأن كل ما يجري وعدم السماح للانتهازيين باستغلال الفرص لزعزعة الثقة بين الناس خاصة وان الشائعة تستطيع اختراق كل منزل والتلاعب بمشاعر إفراده وانتمائهم وربما تتحول إلى خطر كبير يفقد الشخص اتزانه وقدرته على الفهم الصحيح لما يجري حوله بعدما ضل طريق الوضوح والمصداقية وهذا يعقد المسارات ويجعل السيطرة على الأزمة أكثر صعوبة

ولهذا فإننا ندعو الإخوة المواطنين الى التقيد بالتعليمات وعدم نشر او تداول الشائعات والإخبار غير الموثوقة من مصادرها الرسمية خاصة مما يتم نشره من قبل أشخاص وحسابات وهمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي لكي لا يقعوا ضحية لمثل أولئك المتربصين الذين يسعون الى محاولة زعزعة الأمن والتشكيك به وان مديرية الأمن العام كانت دوما هي السباقة لنشر كل ما يهم المواطن من قضايا او استفسارات عبر مختلف وسائل الإعلام وإنها قادرة دائما على ملاحقة كل من يثبت محاولته ارتكاب هذه المخالفات ونشر مثل تلك الشائعات بإحالته للقضاء وفق أحكام القانون حفاظا على الرسالة الأمنية الرامية لحماية المجتمع وأبنائه

لا شك بان هناك من يتعمد نشر مثل هذه الإشاعات بهدف المساس بهيبة الوطن وأجهزته الأمنية وان مثل تلك الشائعات لن تنال من أداء وعزيمة رجال الأمن العام الذين يصلون الليل بالنهار للمحافظة على الأمن والنظام العام وسيبقون بالمرصاد لكل من يحاول المساس بأمن الوطن مع التأكيد على الثقة العالية بالمواطنين ومستوى وعيهم وثقافتهم والمسؤولية التي يجب ان يتحلوا بها لتجاوز هذه الظاهرة بشراكة فعالة ومسؤولية مشتركة من خلال عدم نشر او إعادة النشر لأي محتوى إلا في حال التحقق من مصدره الموثوق وعدم الاعتماد على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر للأخبار دون الأخذ بالاعتبار دقّة هذه المعلومات من عدمها مما يتسبب بنشر الكثير من الأخبار غير الصحيحة وبالتالي ترويج الشائعات بصورة اكبر

وأخيرا ان البيانات والتصريحات الرسمية التي تقدم للمواطن والمعززة بالوضوح والدقة والمصداقية لا تخيفها ولا تهزمها الإشاعات والأكاذيب المؤدلجة حتى لو كانت من هولها لا يصدقها المنطق والعقل ولكن المستغرب جدا هو بقاء التزام بعض الجهات الحكومية جانب الصمت المطبق والغياب المطلق مقابل تغول ذباب الإشاعات الخطيرة والتي تهدد مصداقية الدولة بكاملها ومع ذلك فإنها لا تحظى بالاهتمام الوافر والاستعداد المنظم لدى من يعنيهم الأمر للرد والتوضيح او حتى مجرد نفي تلك الأكاذيب بأسلوب عقلاني مقنع
mahdimubarak@gmail.com