دمار الأوطان .. بالبعد عن قِيَمِ الأديان

جفرا نيوز - كتب عوض ضيف الله الملاحمه
الفساد أطاح بامبراطويات ، ودول ، وعروش ، وكيانات كانت عظيمة ، أطاح بها الفساد ، ودمرها ، لا بل إختفت من الوجود  . والفساد انواع واشكال ، واحجام يصعب حصرها ، لكن اثره واحد على الأوطان ، مهما اختلفت انواعه ومسمياته ، لان أثره ينتهي بالتراجع ، والتدهور ، ومن ثم الإنهيار . 
السرِقة نوع من انو اع الفساد ، واشكالها متعددة ايضاً . السارق ، يأخذ ، ويتحصّل ، ويَسلِب ما ليس له به حق . السارق يكون اناني ، انتهازي ، مجرد من القيم ، والاخلاق ، والدِين . السارق لا يمكن ان يكون نبيلاً ، ولا خلوقاً ، ولا حتى إنساناً طبيعياً ، لانه مخلوق  مُنحرف ، لا اخلاق ولا قيم لديه ، كما انه لا رادعاً ذاتياً  عنده ، يمكن ان يجعله يتردد ، او يتروى ، او ربما يرتدع او يُحجِم عن فِعل السرقة . 
إنتشر الفساد ، وعمّ في هذا الزمان ، وقد طال كل الاوطان ، لكن بنسبٍ متفاوته  بين بلد وآخر . وفي غالبية بلدان العالم ، لم يصل الفساد حدّ تدمير تلك الأوطان . بينما في وطني الحبيب  ، الوضع يختلف عن كل دول العالم ، الفساد في الاردن ، أجهز على الأخضر واليابس ، وضيّع كل مقدرات الوطن ، وأخذ الوطن برمته الى الضياع وها هو يترنح ويتسارع  في الانحدار نحو الهاوية  . هناك اسباباً كثيرة ادت الى ان يفعل الفساد فعله السلبي في وطني اكثر من كل اقطار العالم ، منها : اولاً : ان مقدرات الوطن وقدراته محدودة بالأصل ، لانه لم يُسمح لها ان تنمو وتكبر وتزدهر ، كون النهش والهبش بها بدأ مُبكراً . ثانياً : وجود اسباب  خفية مرتبطة باجندات خارجية تمنع الوطن من استغلال موارده ، وثرواته ، وخيراته لإحداث التنمية المنشودة والتطور المأمول . ثالثاً : ان الفاسدين الذين أضاعوا مقدرات الوطن ، طارئين ، هبطوا علينا مثل الخفافيش ، وتسللوا في ليل بهيم حالك الظُلمة والسواد ، كما وجوهِهم ، وبما انهم ليسوا من ابنائه ، فلا يعني لهم الوطن شيئاً ، والمهم عندهم تعظيم ما يسلِبون ، دون ان يهتموا بترك ولو شيء يُبقى استمرارية الحياة في الوطن . رابعاً : ان اغلبهم غادروا الوطن فور جنيهم اموال السُحت والحرام ، والذين بقوا منهم ، تخفّوا ، وتستروا ، وتظاهروا بانهم شرفاء . خامساً : الطامة الكبرى ان الفاسدين الطارئين نجحوا في استقطاب اعداد من فاسدين محليين من ابناء الوطن مما عظّم من الأثر المدمر للوطن . سادساً : اننا كمجتمع لم نُعاقِب الفاسدين اجتماعياً ، بهجرهم ، وتحقيرهم ، وتشميسهم بالعرف العشائري ، بل على العكس ، السائد ان مجتمعنا يُبجِلهم ، ويكرِمهم ، ويجلسونهم في صدور المجالس ، ويترأسون الجاهات ، والكثير من الناس يخطِبون ودهم طمعاً بشيء من الفُتات .  سابعاً  : ان الفاسدين  ادوات لمحرضيهم واسيادهم   الاعداء  الخارجيين  مما جعل حجم الاستهداف كبيراً  وخطيراً  ، وللعلم بالنسبة للاعداء  الخارجيين المُحرضين على الفساد في بلدي ، الفساد بالنسبة لهم وسيلة وليس غاية ، لان الغاية منه والهدف الاعظم يتمثل في انهاء الوطن وجودياً ، وعليه فالاعداء  الخارجيون الذين يستهدفوننا  يَعتبِرون الفساد سلاحاً  ذو حدّين مُدمرين ، الهدف الاول :  إغراء للفاسدين ليكتنزوا اموالاً طائلة ، والهدف الثاني:  يتمثل في خلخلة عناصر القوة التي يمتلكها الوطن فيتحقق التدمير ، وقد نجحوا لأن تنفيذه ياتي باختراق الجبهة الداخلية للوطن . وهل يَصِحُ  وطناً وتتعزز وتقوى جبهته الخارجية وجبهته الداخلية مخترقة ومتآكله !؟ 
الاديان السماوية الثلاثة عظيمة ، وحتى  الاديان الوضعية ، وكذلك ادبيات الاحزاب العقائدية ، كلها تحث وتحض على الفضيلة والاخلاق الحميدة ، والبعد عن الرذيلة . ودين الاسلام العظيم ، تصدى للفساد ، وحدد عقوبات رادعة للسرقة وما شابهها . تصوروا ان القرآن الكريم وردت فيه آيات العبادات ( ١٣٠ ) مرة فقط ، بينما الآيات التي تحض وتحث على الاخلاق الحميدة وردت ( ١,٠٥٤ ) مرة ، أي ( ٨ ) أضعاف  ، كما وردت كلمة الفساد ومشتقاتها ( ٥٠ ) مرة في القران الكريم ، وورد موضوع السرقة في ( ٥ ) سور  . وهنا اورد بعض الآيات القرآنية الكريمة والاحاديث النبوية الشريفة ، التي تحض على الاخلاق الحميدة ،  وتَنهى عن الفساد بكافة اشكاله  :- قال تعالى (( واذا تولى سعى في الارض ليُفسد فيها ويُهلِك الحرث والنسل والله لا يُحب الفساد )) ، وقال صلى الله عليه وسلم (( إن الرجُل لَيُدرِكَ بحُسن خُلقه درجات قائم الليل وصائم النهار )) ، وفي حديث آخر (( أَكْمَلُ المؤمنين ايماناً أحسنُهم خُلقاً )) . وقال تعالى (( الذين يُفسدون في الارض ولا يُصلِحون )) ، وقال تعالى (( ولا تُبخِسوا الناس اشيائهم ولا تَعِثوا في الارض مُفسدين )) ، وقال تعالى (( وفرعون ذي الاوتاد ، الذين طغوا في البلاد ، فأكثروا فيها الفساد )) ، وقال تعالى (( .. ليُفسد فيها ، ويُهلك الحرثَ والنسل ، والله لا يُحب الفساد )) . وفي حديث نبوي آخر قال صلى الله عليه وسلم (( ما من شيء أثقل في الميزان من حُسن الخُلق )) . 
قد يقول قائل : ما علاقة البعد عن الاديان في دمار الاوطان !؟ والدليل ها هي دول الغرب بعيدة عن الاديان وهي في معظمها لا دينية ، فانظر الى اي مدى من الحضارة وصلوا ، واوطانهم مزدهرة ومتطورة !؟ أقول له : نعم المجتمعات الغربية في معظمها لا دينية من ناحية الالتزام بالعبادات ، لكن من ناحية المعاملات فانهم يلتزمون بارقى المعايير الاخلاقية والقيمية ، والبعد عن الفساد والسرقة  ، ولديهم العدالة والمساواة وتساوي الفرص ، والمال العام عندهم مُحصَّن ، لا بل الحرص عليه يصل درجة القُدسية ، والتعدي عليه ان لم يكن نادراً فهو محدود جداً ، لانهم يلتزمون بقيم الأديان . 
سرقة الاوطان ليس لها عنوان او تسمية محددة ، لانها متعددة الوجوة ، والاشكال والالوان ، ومنها ما يحكمها من تنفيعات في التعيينات واشكال عديدة من انواع الفساد يصعب حصرها . صدق من قال : ((في بلادنا نوعان من اللصوص : لصوص صِغار تطاردهم الشرطة ، ولصوص كِبار تَحرُسُهم الشرطة )) . وأختم ببيت من الشِعر :- فالوحشُ ارحم في ذا العصرِ من بشرٍ / هُمُ الوحوش بدوا في زِيِّ أبرارِ .