مغربي وزوجته الفرنسية يعيشان مع الدمى في منزلهما منذ سنوات طويلة
السفر عبر العالم وفي قاراته الخمس ليس من المتاح دائما، كما يصعب أيضا أن تحظى بعبق التاريخ والثقافات والحضارات العريقة، وأنت في المكان نفسه رغم التطور التكنولوجي وتقنيات الأبعاد المختلفة، لكن هذا الأمر صار يسيرا وفي المتناول برفقة دمى عالمية حالمة وصامتة، وفي قلب المدينة العتيقة بالرباط، وتحديدا بشارع "بوقرون" في "متحف دمى العالم"، الذي فتح أبوابه في صيف عام 2019.
ويعود هذا المتحف الفريد من نوعه وغير المألوف، الذي يضم 2500 دمية من 91 دولة، لصاحبه المغربي عبد الجليل حفار، المتخصص في العلوم السياسية والخبير في هندسة التكوين، وزوجته الفرنسية ماري ميشال، التي يعود لها الفضل في تجميع هذه الدمى الرائعة من سفرياتها المتعددة رفقة زوجها، والتي بلغت حوالى 30 رحلة في مختلف ربوع العالم.
أما الباقي أمنه لهما أفراد عائلتهما وأصدقاؤهما وأبناؤهما الثلاثة، الذين استطاعت الزوجة أن تنقل إليهم عشقها للدمى العتيقة الحاملة لثقافات وحضارات البلدان من خلال الأزياء والإكسسوارات والمهن والحرف.
وعن هذا المتحف الاستثنائي والفريد من نوعه، يقول حفار لـ "سكاي نيوز عربية"، إنه مبادرة غير ربحية لحماية التراث الإنساني العالمي من أزياء وحضارة، والذي تعد الدمى المختلفة دعامة أساسية له، وهي دمى يمكن تسميتها بدمى فلكلورية أو دمى الذكريات، ولكنها دمى أصيلة تحمل عراقة التاريخ، تعود لخمسين سنة خلت.
جذور قديمة
وتعود البذرة الأولى للمبادرة إلى ستينيات القرن الماضي، لما أهديت لزوجته الفرنسية دميتها الأولى من قبل جدها وعمرها خمس سنوات، حيث عملت على الحفاظ عليها إلى جانب الدمى الأخرى التي أهديت لها في فترات مختلفة من عمرها، كما واظبت على اقتنائها بنفسها، وتحديدا تلك الدمى الثقافية ذات الحمولة التاريخية والحضارية العريقة.
ويضيف عبد الجليل حفار "لا أجزم بأن ثقافة الدمى كانت حاضرة لدينا في البداية، ولكنه مع مرور الوقت وتوسع المجموعة التي توفرت لدى زوجتي، ونقلها معنا من ليون الفرنسية إلى المغرب على فترات، والقصص الغريبة التي حصلت لنا معها، حيث كانت الدمى محظوظة بشكل كبير ولم تتعرض للتلف. في البداية نجت من حريق في بيت زوجتي بليون الفرنسية، وبعدها من السرقة في مرآب للسيارات بأحد المحلات التجارية الكبرى بالجزيرة الخضراء بإسبانيا، حيث تمت سرقة ملابسنا وبعض الأشياء وظلت الدمى".
ويوضح صاحب متحف "دمى العالم" لـ "سكاي نيوز عربية"، أنه بعد إتمام دراسته بليون الفرنسية وعودته للعمل بالمغرب رفقة زوجته عام 1985، وتوفر مخزون مهم من الدمى لديهم، فكر في تقاسم هذا الشغف مع الجمهور الواسع، وهي الفكرة التي لم تر زوجته ولا أبناؤه جدوى منها، خاصة في بلد لا تحضر فيه ثقافة الدمى بشكل كبير.
رغم ذلك، غامر لمعرفة رد فعل الزوار، فنظم مع المكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالرباط معرض "ألف دمية ودمية" عام 2012، ومعرضا ثانيا عام 2016 بالمسرح الملكي بمدينة مراكش بالموازاة مع مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ Cop 22) (، ومعرضا آخر بمسقط رأسه مدينة قلعة السراغنة.
العيش مع الدُمى
بعد الإقبال الكبير الذي عرفته تلك المعارض، فكر هو وزوجته في خلق فضاء قار لتلك الدمى، فاقتنيا منزلا تقليديا كبيرا "رياض" في قلب المدينة العتيقة بالرباط، قسماه إلى جزأين، جزء للسكن، وآخر للعرض، وأصبحا "يسكنان مع الدمى بعدما كانت هي التي تسكن معهما"، كما يقول.
ويقدم هذا المتحف المكون من طابقين، تشكيلات متنوعة من الدمى )أطفال، نساء رجال، عرسان، صناع وحرفيين، موسيقيين، جنود...( من مختلف البلدان، وسفرا في الزمان والمكان لأزيد من تسعين دولة، من بينها مجموعة من البلدان العربية والمغاربية، لكن الطاغي هو الدمى الأوروبية والفرنسية تحديدا، والأسيوية الهندية والروسية والكورية والصينية واليابانية، وذلك لأن تلك البلدان تهتم بالدمى وتتوفر في مختلف مناطقها كتذكارات للمسافر.
وزعت دمى العالم في هذا المتحف الفريد بكثير من الذوق والعناية، وعرضت في واجهات زجاجية، أو في صناديق زجاجية، وزين الفضاء المحيط بها بالأعشاب والمنتوجات التقليدية، وببعض المجسمات الصغيرة الموضوعة في صناديق، وهي من صنع زوجة صاحب المتحف، مجسم لمتجر بائع الحرير، وبائع الحلزون، ومنزل روسي تقليدي، وصالون عثماني، والصابون التقليدي التركي، وغيرها من الدمى الصغيرة المعلقة فوق الجدران على شكل لوحات.
وعلى الرغم من أهمية هذا المتحف الاستثنائي، ومساحات السفر عبر العالم التي يفتحها أما الزائر، فإنه لم بحظ بعد بالاهتمام الكبير، حيث مازال صاحبه المقاول الذاتي يشتغل بإمكانياته الخاصة، منذ يونيو 2019 تاريخ افتتاحه إلى الآن، في انتظار أن تتبنى جهة معية المتحف ويتم تحويله إلى مؤسسة قائمة الذات تضمن له الاستمرارية حتى في غياب أصحابه الأصليين، ويتمكن من التواصل مع وكالات الأسفار لإدراجه ضمن رحلاتها المقترحة على السياح الأجانب للعاصمة الرباط، ووزارة التعليم لتخصيص رحلات للتلاميذ والطلاب، لأن المتحف موجه للكبار والصغار على حد سواء.
وتجدر الإشارة إلى أن الدمى ظهرت منذ بدايات الحضارة الإنسانية، وأنها أقدم لعب ظهرت في التاريخ، تمت صناعتها من العديد من المواد (الحجر، الخشب، العظام، العاج، الجلد، الورق، القماش والتبن، القصب، البورسلين، المطاط، الشمع، والبلاستيك).
ولعبت الدمى دورا مهما في الثقافات المختلفة، وتنوعت أشكالها وأنماط إنتاجها، ما جعل هواية جمع الدمى القديمة تظهر ويكثر الشغوفون بها من جامعي التحف وقطع الآثار من الرجال والنساء عبر العالم، حيث صار لهذه الفئة من الدمى معارضها الخاصة ومزاداتها العلنية الموسمية التي تنظمها أشهر دور المزاد العلني في العالم مثل كريستي وسوثبي، ولكن في الدول العربية ما زال الأمر مقتصرا على بعض العائلات أو الأفراد، وتحديدا السيدات، اللواتي يجتهدن في جمع الدمى التقليدية بأثوابها الوطنية العريقة.