من أيــن نبـــدأ؟!
جفرا نيوز- كتب جميل النمري
بينما تنشغل الساحة السياسية برسالة جلالة الملك لمدير المخابرات وتسخن السجالات على مواقع التواصل حول طبيعة الاصلاح السياسي والخطوات القادمة وتطرح الآراء والمقترحات لقانون الانتخاب، تعود التطورات الخطيرة للوباء بجدول الأعمال الى الهم الأكثر الحاحا بوصولنا الى معدل اصابات يدور حول الأربعة آلاف يوميا. وقد بدأت الحكومة تراجع حساباتها وقد تذهب للمزيد من التشدد في الاجراءات وأول خطوة الاستمرار في اغلاق المدارس والعودة للتعليم عن بعد. ومع ان أحدا لا يرغب على الاطلاق بعودة الاغلاقات وهذا هو الموقف الحكومي ايضا لكن الأمر لن يصمد أمام تصاعد الاصابات وخصوصا من السلالات الجديدة .
لست واثقا والحالة هذه ان الأيام القادمة ستكون مواتية للتركيز على الاصلاح السياسي في الحوار العام، وهذا لا يمنع ان تكون هناك ورشات داخلية لوضع خطة تطبيق لرسالة جلالة الملك للمخابرات. أما الحوار حول الاصلاح السياسي ورزمة التشريعات ذات الصلة فلا ادري من اين وكيف نبدأ وحسب اقاويل فسوف يعهد بالأمر لشخصية معينة لكن ليس واضحا كيف وبأي صيغة وهل ستتشكل لجنة ما كما في الماضي.
إذا ساء الحال مع الوباء فالمرجح أن ينتقل ملف الاصلاح الى الباحة الخلفية ليتم العمل عليه بهدوء فيما يتركز اهتمام السلطات على خطة الحكومة وخطواتها للتعامل مع الموقف الصحي بأبعاده الاجتماعية والاقتصادية شديدة الحرج في الأسابيع القادمة.
والحال أن الوضع الاقتصادي كان شديد الصعوبة مع سيناريو الانفراج وتراجع الوباء، فما بالك مع موجة ثالثة وبسلالات جديدة للفيروس كما تحدثنا في مقال سابق! وفي ورشة عمل رفيعة المستوى قبل شهر استعرض بحث علمي سيناريوهات الموقف للعام 2021 وما بعد، واثارت الدراسة ومنهجيتها وارقامها المقلقة جدلا. والسيناريو الأفضل قام على احتمال انتهاء الوباء قريبا وعودة الانفتاح محليا ودوليا وتحسن البيئة الاقتصادية مدفوعة بسياسات ناجحة أما السيناريو الأسوأ فتحدث عن تفاقم الركود والعجز والبطالة وتدهور في الأوضاع المعيشية قد ينجم عنه قلاقل اجتماعية. والحكومة كما هو معلوم بنت موازنتها على السيناريو الأفضل بينما علينا التعامل اليوم مع التحول المحتمل الى الأسوأ وعودة التشدد في الإجرءات التي ستطيل معاناة قطاعات وتؤدي الى خروج الكثيرين من السوق والاغلاق النهائي للكثير من المؤسسات.
الحكومة في وضع لا تحسد عليه والكثير من الأفكار المرتبطة بمرحلة التعافي والنهوض ستركن في الثلاجة لتحل محلها خطط طوارئ بما تيسر من امكانات متواضعة ولن تملك الحكومة الفرصة للتركيز أو الاهتمام بقضايا الاصلاح السياسي لكن هذا لا يعني وضع الملف على الرف اذ يمكن في الوقت نفسه تفريغ فريق استراتيجي لبحث المستقبل. فالعالم كله يفكر في ما سيكون عليه المستقبل وبأي فلسفة للاقتصاد والمجتمع وادارة الدولة لما بعد أو بمعية كورونا. وحديث الاصلاح السياسي سيكون بالضرورة جزءا اساسيا على مائدة الأفكار وليس فقط من منظور تقليدي ولعلنا نحتاج الى شيء من الابداع والابتكار في السياسة كما في الاقتصاد.