كيف يناقش النواب الموازنة؟

جفرا نيوز - سائد كراجة

خزينة الدولة جيوب رعاياها، يعني المواطن هو الذي "يصرف على الحكومة”، وعلى عكس الذهن السائد أن الدولة الأردنية تعتمد على المساعدات الخارجية، فأهم مصدر للخزينة الأردنية هو الشعب الأردني، فالمساعدات الخارجية لا تتجاوز 10 ٪ من مصادر تمويل الخزينة، ولهذا فإن مناقشة النواب للموازنة عدا عن أنها استحقاق دستوري، فإنها مناقشة صاحب المال، ومصدر السلطة كما نص على ذلك الدستور.
تابعت باهتمام بالغ مناقشة جمع من السيدات والسادة النواب لمشروع الموازنة، وقد وقفت – فيما سمعته من مداخلات- على مستوى محترم من الجدية والمهنية لهذه المداخلات، ومثال ذلك مداخلة الدكتورة فايزة عضيبات نائب جرش وقد كانت مداخلة مجتهدة ورصينة، انتقدت سعادتها غياب رؤية شمولية للموازنة، وغياب وجود خطط بديلة في ظل احتمالات حالية تتمثل في عودة انتشار كورونا – لا سمح الله-، كما انتقدت بشدة ضعف الإنفاق الرأسمالي الذي يكاد يكون العلاج الوحيد المتفق عليه علميا وعالميا لمواجهة الركود والانكماش الاقتصادي، وفي مناقشة مخصصات محافظة جرش انتقدت غياب رؤية استثمارية للمحافظة وامكانياتها التنموية والسياحية، أما عن مطالبات أبناء المحافظة الشخصية، فقد وعدت ناخبيها بمتابعتها شخصيا على نحو منفصل، وكرست كل وقتها لمناقشة الموازنة كنائب وطن.
من جانب آخر قدمت كتلة العدالة على لسان النائب خير أبو صعيليك، رؤية تحليلية للموازنة، لا بل اقترحت خطة عمل شاملة "خطة تعاف” رقمية سياسية اقتصادية، ودعت الكتلة في مناقشتها الحكومة لمشروع شراكة لإنقاذ الاقتصاد الوطني، كما انتقدت ما تشير له الأرقام من استمرار الدولة كمشغل رئيس للعمالة، ودعت الكتلة لدعم القطاع الخاص عن طريق محاربة البيروقراطية وتخفيض كلفة الأعمال والحرص على استقرار التشريعات، وحذرت من زيادة الضرائب، ومنها زيادة الضرائب على "الملكية ” بنسبة 167 ٪. كتلة العدالة قدمت مداخلة ترقى لتكون رؤية حزب في الجانب الاقتصادي على الأقل، وهي تبشر بتحرك نيابي جاد للكتل النيابة التي نأمل أن تكون نواة أحزاب مؤسسية برامجية جادة.
النائب العشوش نائب منطقة الأغوار تكلم عن قطاع الزراعة كلام العالم ببواطن الأمور، ومداخلته تجعلك تحزن أن الأردن كله شخص مشاكل هذا القطاع، لكن هذه الموازنة وجميع الموازنات السابقة جاءت بعيدة عن وضع حلول استثمارية للنهوض به، كما دعا في كلمته إلى الإصلاح السياسي وضرورته باعتباره بوابة الإصلاح الاقتصادي وشرطه الرئيس.
بعض النواب من خلفيات حزبية – مع الاحترام- ابتعدوا عن التحليل العلمي، ومالوا للشعارات العامة ذات البعد الشعبوي أكثر منه السياسي أو الاقتصادي، وفي بعض كلماتهم "تعميم” يزيد الطين بلة، ولا يساهم في وضع أي حلول علمية عملية للوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه البلاد.
عموما، من المفيد لو أن وزراء المالية يجلسون مع النواب قبل إعداد الموازنة، وهذا شكل من أشكال المشاركة التي نصبو إليها بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ومن المفيد أيضا أن يوضح وزير المالية في رده على ملاحظات النواب بعض الأفكار والعبارات المتداولة، مثل الأسباب التاريخية لتراكم الدين العام، وعبارات مثل بيع الأصول أو استعادة "مقدرات الدولة”، الفساد المالي وحجمه ومصادره، التهرب الضريبي وموانع الحد منه، حجم الاقتراض المحلي والأجنبي وأسبابه، هذه جميعها أفكار وعبارات متداولة عامة حان الوقت لتوضيحها مفهوما وأرقاما فعلية على الأرض.
الدين الخارجي لا يخيف إذا كان الاقتصاد فعالا منتجا، فإن أكبر "مديون” في العالم هو أميركا، لسان حال النواب يقول: لا تعالجوا الانكماش بالانكماش بل بالبذل في مشاريع رأسمالية منتجة، كما أن علينا وبشكل فوري وقف نفقات الرفاهية، ووقف أي هدر في مرافق الدولة، ومعالجة نفقات التقاعد وتعظيم النفقات الرأسمالية بحصافة وشفافية، وتهيئة ظروف النمو للقطاع الخاص لكي يساعد في وقف البطالة. الأردن بلد ذو جذر صلد ولا خوف عليه إن وجدنا صدقا في العمل، ومهنية في الإدارة، فاهم على جنابك؟!