متحف آرمات عمان يدوِّن تاريخ المدينة - صور
جفرا نيوز - كتب - المحامي إسلام حيدر أبوحيدر – تصوير احمد الغلاييني
عندما نجد المدينة تحتضن نفسها بنفسها، نرى أن الأشياء تسير الى عناق بعضها البعض رغما عن أنف الخراب أو الضياع، فنجد ذاكرة المدينة زاخرة بالفن الذي يجب أن يكون حاضرًا في أذهان أبناء هذه المدينة.
عمان هي المدينة التي اذا سلَّمت لك نفسها، سلمت لك نفسكَ على طبق من ذهب، إذ لا يمكن أن تجد ما هو خارج عن منظومة الجمال المتكاملة، هنا نعرض عليكم المتحف الذي رمَّم وجه لافتات المحلات العمانية القديمة (القارمات)، الفكرة التي استعرضت تمايز وتنوع أشكال اللافتات المختلفة في مدينة عمان، بشكلها وألوانها وأحجامها حسب الذوق العام والفردي.
جاءت هذه الفكرة إثر مجهود شخصيٍّ قائم على حفظ أشكال هذه اللافتات التي تعدُّ جزءا لا يتجزأ من جمالية عمان القديمة والحديثة.
وبالصدفة، حينما وقفت أمام المتحف كنت حائرًا أو وضائعًا حتى أنني حاولت فهم المقصود من هذا العنوان، بعدها صعدت منجذبًا تارة، وأخرى مستنكرًا هذا العنوان الغريب، دخلت إلى الداخل لأشعر وقتها أنني عثرت على آلة الزمن التي أقلَّتني إلى أزمان ماضية من عمر المدينة، مرة بالأبيض والأسود ومرة بالألوان!
وصراحة احتجت بعض الوقت حتى أفهم ماهيَّة المتحف، إذ قابلتني اليافطات واللافتات والقارمات الخاصَّة بالمتاجر والمحلات التجارية والفنادق والمكاتب السياحية والأثرية وغيرها، وباعتقادي فإن هذه النوعيَّة من المتاحف ليست شائعة أو موجودة بالأحرى، وأجزم أنَّه المتحف الأوَّل من نوعه في المدينة بل وفي المملكة بأكملها.
لم يستهدف المتحف عرض اللَّافتات الإعلانية فقط؛ بل تعدَّى ذلك إلى كونِ طريقة العرض هذه تشكِّل سردًا مغايرًا عن طرق السرد والعرض المعروفة في الأوساط الفنيَّة أو التاريخيَّة أو الأكاديمية، فهي تسرد وتحكي وتنبؤ عن قصص المَّارين عبر عَرَق هذه المدينة، مثل التُّجار الذين بدأوا أولى خطواتهم ورحلاتهم العمليَّة من الصفر، مشكِّلين اسمًا مميَّزا في عالم المدينة، حتى رحلوا منها تاركين خلفهم محالهم ويافطاتهم لتوسيع أشغالهم وبناء أعمال أكبر فأكبر في مختلف المحافظات.
لم أشعر أنَّني خارج عن عمَّان القديمة، بصِفتي شاهدًا معايشًا لبعض المراحل التي مرَّت عليها، -على الأقل- في العقود التي حللت فيها، إذ ذكَّرتني واحدة من اللافتات المعروضة داخل المتحف بمطعم كنَّا نواظب أنا وأبي على زيارته دائمًا، هذه الذكرى التي مرَّت في لحظة أعادت لي شعورًا فقدته قبل أعوام عديدة، فكم ذكرى وقصة يحوي هذا المتحف!
أمَّا من النَّاحية العمَليَّة، فقد أثارني ذكاء صاحب المعرض السيد غازي خطاب، إذ استطاع بكلِّ براعة تنسيق وجمع هذه اللافتات من الأماكن المختلفة من عمَّان، ولا يمكن أن يكون هذا من المهام السهلة البسيطة؛ لأنه تطلَّب جهدًا جهيدًا وفؤادًا محبًّا لما يفعل لتصير النتيجة بهذا الشكل الإبداعي الخلَّاق، حيث إنَّني لا أبالغ حينما أقول أن هذا العمل من أجمل الأعمال التي مرَّت على شكل المدينة قلبًا وقالبًا بسبب كونها كما ذكرنا سابقًا مجهودًا شخصيًا نابع عن إيمان تامٍّ بتراث المدينة، إيمان يعكس طبيعة هذا العمل وهدفه وجماليَّاته.
واجهتني الكثير من الذكريات والأحداث والحكايات المختبئة خلف هذه اليافطات، تذكَّرت أسماء بعض المحامين الكبار في السنِّ عندما كنت في ريَعان الصِّبا متدرِّبًا في مهنة المحاماة، واليوم بعد عقود في المهنة أرى ذكرياتهم التي تركوها عند رحيلهم إلى أماكن متفرِّقة بغية التَّوسع في العمل والنشاط المَّادي.
أرى أنَّهم قد نسوها على الأغلب مثلما نسيتها أنا، لتأتي هذه القصة المحكاة عبر اللافتات، كأجمل مادة مذكورة بين رقعتي كتاب يسردها الوقت، ويحكي عنها تراث هذه المدينة الكبيرة عمان.