معهد للتأهيل البرلماني

جفرا نيوز - زيد النوايسة

لم يكن متوقعاً من مجلس نواب جديد دخله 98 نائباً لأول مرة وبلا تجربة سياسية وحزبية أن تكون بداية أدائه مثالية ومختلفة عن المجالس السابقة. وقد يكون من المبكر إطلاق الأحكام المطلقة في أول دورة برلمانية، ولكن ثمة ما يشير الى أن الفوارق قليلة.
اعتدنا في البدايات على سيطرة أجواء الحماس والاندفاع والرغبة في مغازلة القواعد الانتخابية التي تحب دائماً الصوت المرتفع والغاضب حتى لو لم يكن منتجاً، ولكنها سرعان ما تكتشف أن مهمة النائب الحقيقي مختلفة كلياً. وهذه بالطبع ليست دعوة ليصبح النواب مرددين في كورال الحكومات بل هي دعوة لمساهمتهم في ضبط السياسات والقرارات الحكومية بمنهجية معرفية وعلمية وليس بالصوت العالي والغاضب، وهذا لن يتأتى دون تأهيل وتدريب قانوني وسياسي ورقابي.
كشفت مناقشات الثقة في حكومة الدكتور بشر الخصاونة ومناقشة مشروع قانون الموازنة العامة الجارية حالياً عن حقيقة لا يمكن تجاوزها وهي أن عدداً كبيراً من أصحاب السعادة النواب المحترمين يكررون أنفسهم في كل مرة، وتكاد تشعر بأن النص ذاته يتكرر في مناقشة الثقة ومناقشة الموازنة العامة ومناقشة مشاريع القوانين.
مرة أخرى يقفز السؤال مجدداً عن أهمية التأهيل البرلماني وضرورته. ما يجري للآن هو عمل غير مؤسسي يعتمد بالدرجة الأولى على دور مؤسسات المجتمع المدني التي تنفذ برامج ممولة أجنبياً للتمكين في مجالات التشريع والرقابة والانتخابات. وهذا أمر جيد إذا ابتعد عن التوظيف السياسي والأجندات التي لا يمكن استبعادها، فلا أحد يريد أن يمول لوجه الله والوطن.
نستطيع هنا في الأردن محاكاة تجارب دولية وإقليمية وعربية في مجال التدريب والتأهيل القانوني والسياسي والرقابي للبرلمانيين. عالمياً أنشأت بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وألمانيا وغيرها معاهد متخصصة لتدريب وتطوير قدرات أعضاء البرلمان. وعلى المستوى العربي أسست في مصر والعراق والبحرين والجزائر وتونس معاهد ومراكز تدريب متخصصة بالإضافة للمعهد العربي للدراسات البرلمانية والتشريعية الذي أسس في لبنان العام 2010 بناءً على طلب من مجلس النواب اللبناني ليقدم الخبرة للبرلمانيين العرب.
مهمة معاهد التدريب البرلماني شبيهة بمهمة المعاهد الدبلوماسية التي تؤهل الدبلوماسيين لتمثيل بلادهم وفق أسس علمية. وقد يساعد وجود معهد تأهيل برلماني في الأردن في تطوير مهارات النواب التشريعية والرقابية والإلمام الكامل بالدستور وبالأنظمة واللوائح الداخلية وعمل اللجان والكتل البرلمانية والاستعانة بمحاضرين متخصصين في السياسة والاقتصاد والتنمية والبيئة والإدارة المحلية وغيرها حتى يتمكن النائب من مناقشة أي مشروع قانون استنادا لقاعدة معرفية وليس بشكل اعتباطي وعشوائي.
لا يقتصر التدريب على النواب بل يمتد ليشمل الكادر الإداري في البرلمان وتأهيله فنياً وإدارياً وقانونياً، وهذا يستدعي أيضاً إعادة تعريف دور المساعد البرلماني والتفريق بينه وبين دور السكرتاريا التي تترك في العادة للنائب نفسه لاختيار شخص يقوم بتعيينه لضبط مواعيده وطباعة المراسلات بينه وبين المسؤولين التي تنحصر في قضية الخدمات لا أكثر ولا أقل.
في دول العالم ذات التجربة العريقة في الديمقراطية يوازي دور وأهمية المساعد أو المعاون البرلماني دور أهمية النائب نفسه. وتتلخص مهمته في البحث وإعداد الملفات والدراسات ومتابعة القضايا وتقديمها للنائب، وفي أحيان كثيرة يقوم بتمثيل النائب في المحافل والمؤتمرات الدولية.
أغلبية الوفود البرلمانية الأميركية والأوروبية تتألف من المساعدين البرلمانيين والذين يتم تأهيلهم لاحقاً ليصبحوا نواباً بحكم أن الأصل في التمثيل البرلماني هو التمثيل الحزبي. وهذا طبعاً مرتبط بوجود فهم جديد للحياة السياسية في بلادنا أيضاً يستدعي كما أشار جلالة الملك عبد الله الثاني قبل أيام لضرورة تطوير قوانين الانتخاب والأحزاب بشكل يتيح تلافي كل جوانب القصور والخلل السابق.
فكرة تأسيس معهد متخصص لرفعة كفاءة الأداء البرلماني يجب ألا تتأخر ويقيني أن وجوده سيشكل إضافة تحسب للمجلس ولرئيسه.