طالبان والأمريكان لا سلام ولا استسلام !

جفرا نيوز - مهدي مبارك عبد الله

منذ نحو 19 عام والحرب مستعرة على أشدها في أفغانستان حتى أنها أصبحت تسمى بـ " فيتنام الثانية " وقد تسببت في مقتل أكثر من 2400 جندي أمريكي بحسب بعض التقديرات الأمريكية وما تزال هناك قوات أمريكية تقدر بـ (2500 أميركي) بالرغم من الوعود الانتخابية للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بعودة الجنود الأمريكيين إلى بلادهم وإنهاء الوجود العسكري الأمريكي بأفغانستان

ترجع بدايات الصراع الذي انخرطت فيه الولايات المتحدة ضد حركة طالبان الأصولية إلى العام 2001 في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمير حين نفذت واشنطن غارات جوية بعد شهر من الحادث الإرهابي ورفض طالبان تسليم زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وقد أنهى التحالف الدولي مهمته القتالية عام 2014 إلا أنه أبقى على آلاف العناصر تحت ذريعة تدريب القوات الأفغانية مع استمرار الهجمات العسكرية الميدانية والجوية حتى في فترات تقليص القوات

في مطلع العام الماضي بدأت محادثات السلام بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية في العاصمة القطرية الدوحة وقد مثّل الإعلان الأمريكي بخصوص بقاء قوات التحالف في أفغانستان أحد أهم التعقيدات الجديدة لمسار المفاوضات وفي هذا الشأن أعلن الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرج نهاية العام الماضي أن التحالف العسكري سيواجه قراراً صعباً إذا ما قررت الولايات المتحدة سحب قواتها من أفغانستان وقد يكون ثمن المغادرة قريباً أو بطريقة غير منسقة مرتفعاً للغاية
كما تحدث أربعة من كبار المسؤولين في حلف شمال الأطلسي عن إمكانية بقاء القوات في التحالف الدولي في أفغانستان إلى ما بعد الموعد النهائي في اتفاق طالبان مع الولايات المتحدة الذي يقتضي بعدم استخدام الأراضي الأفغانية من قبل أية جماعة مسلحة أو عسكرية لتهديد أمن الولايات المتحدة أو حلفائها إضافة إلى الإعلان عن خريطةِ طريق لانسحاب جميع القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو من أفغانستان في ايار المقبل

الا إن كافة الجهود التي تمت برعاية الدوحة لم تحقق تقدماً لافتاً في مراحلها المتفاوتة وفشلت في الوصول الى معاهدة أو اتفاق حقيقي ومستقر يضمن الأمن والسلام في البلاد المنكوبة وبهذا بقيت ( مفاوضات السلام ومسارات العنف تسيران معا ) حيث نفذت طالبان ما يزيد عن 4500 هجوم بحسب وكالة "رويترز" للأنباء في غضون 45 يوما منذ توقيع الاتفاق في نهاية شباط من العام الماضي كما استمر التصعيد الميداني من الحركة ضد مواقع الحكومة الأفغانية وقوات التحالف ولم يجرِ الإيفاء بشروط الاتفاق من جانب الحركة والحكومة وبقيت علاقات وروابط طالبان مع الجماعات المتشددة مثل تنظيم القاعدة قائمة
الاتحاد الأوروبي بدوره كانت له مواقف مغايرة ومحذرة بخصوص سحب قوات التحالف وقد حذر من ان تصبح أفغانستان مرة ثانية منصة للإرهابيين الدوليين وان يعود تنظيم داعش بقوة بعد أن خسر الكثير من مواقعه في سوريا والعراق

مع قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن من المحتمل ان تجرى تعديلات على ملف الاتفاق وسيتم التعامل مع فكرة الانسحاب المتسرعة من خلال إستراتيجية محسوبة العواقب من الناحية السياسية والميدانية مع تمسك بايدن والتزامه بإنهاء الحروب طويلة الأمد وحماية الأمريكيين من الإرهاب والتهديدات الأخرى والتأكيد على ضرورة استفادة واشنطن من الأخطاء التاريخية التي وقعت فيها في العراق عندما تركته ساحة خصبة للإرهاب والتدخلات الخارجية دون تهيئة الأوضاع للمرحلة الانتقالية بشكل منظم

حركة طالبان رغم التزامها هي الأخرى بعملية السلام فلا زال يساورها الشك والقلق بشأن احتمال أن تغير واشنطن جوانب من الاتفاق تحتفظ بموجبه بقوات لها في البلاد إلى ما بعد التاريخ المحدد لخروجها في أيار المقبل وقد نقل زعماء طالبان تخوفهم هذا الى الأمريكان الذين أكدوا احترامهم لاتفاق الدوحة والعمل به ( يحدث على الأرض شيئاً آخر حتى الساعة ) مع العلم المسبق ان فشل المفاوضات من جديد وعدم تنفيذ اتفاق الدوحة ستكون له عواقب وخيمة ترجح عودة موجة العنف بشكل أكبر واشمل ضد قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في أفغانستان خاصة إذا ما أقدمت واشنطن على إجراءات جديدة تمس مواقع وسيطرة ونفوذ وقوة طالبان ولهذا على امريكا والناتو أن يفكرا في إنهاء هذه الحرب وتجنب المزيد من الأعذار لإطالة أمد المعاناة في أفغانستان

خطوة الرئيس بايدن الأخيرة بعدم حسم خياراته المتاحة في أفغانستان مع ظهور تحركات لتثبيت حضور عسكري دائم تحت عنوان مكافحة الإرهاب ورفض فكرة الخروج المذل من حرب استمرت عشرين عاماً بلا طائل وتزايد الدعوات مِن جانب الحلفاء والكونغرس لتأجيل موعد الانسحاب وربطه بتبلور اتفاق سلام بين طالبان وحكومة كابول كي لا يمنح الحركة انتصاراً مجانياً على أقوى دولة في العالم فضلا عن التوصيات الكثيرة من جانب الحلفاء في الأطلسي والكونغرس بإرجاء الانسحاب المقرر وكل ذلك يعد ويفسر انه إعلان رسمي وصريح لفشل المفاوضات

في خضم متابعة الإحداث وتحليل المواقف والسياسات نلاحظ ان وزارة الخارجية الأميركية حتى الآن لم تتخذ أي قرارات في شأن حجم القوات في أفغانستان بانتظار الانتهاء من مراجعة اتفاق الدوحة المنعقد في شباط 2020 وملحقاته والمناداة بضرورة التنسيق مع الحلفاء قبل الإقدام على هذه الخطوة الهامة والخطيرة وبذلك بات من المؤكد ان إدارة الرئيس الأمريكي بايدن عازمةً جديا على البقاء في أفغانستان لفترة أطول من تلك المحددة في الاتفاق الذي وقعته طالبان مع الإدارة الأمريكية السابقة بسوق عدة مبررات اكثرها غير مقنع وليس منطقي منها على سبيل المثال الخشية أن يؤدي الانسحاب العسكري إلى حرب أهلية جديدة في أفغانستان وأن يقود إلى إعادة تشكل جماعات إرهابية مناهضة لأمريكا تهدد أمنها الداخلي والخارجي ووان الانسحاب المرتقب قد يمس بهيبة أميركا ومكانتها

اذا ورغم تباين ونعومة ملمس التصريحات والبيانات الرسمبة فان كل المؤشرات تدل على رغبة الإدارة الأمريكية الجديدة بتفضيل دعم المفاوضات وتشجيع التوصل إلى اتفاق سلام يكون فيه تعبيرا رمزيا لتكريم تضحيات للجنود الأمريكان بالإضافة إلى تأمين المصالح الأميركية الأساسية في ظل معايير انسحاب سيكون من الصعب وربما من المستحيل أن يتحقق بحلول أيار2021 ربما في الخفاء من اجل ان تحفظ امريكا جزء يسير من ماء وجهها الذي اهرق بانكسار ومهانة وتمرغ في تراب مدن صحارى وجبال أفغانستان مرات عديدة وحتى يتم النظر في مصير مهمة قوات الناتو المحتلة في أفغانستان سيبقى الواقع السياسي يراوح مكانه دون حراك وبلا حلول فلا سلام حقيقي قادرة ان تفرضه امريكا ولا استسلام المهزوم ستقبله طالبان
mahdimubarak@gmail.com