هل واجهنا كورونا بسياسات مستندة إلى حقائق؟
جفرا نيوز - جواد جلال عباسي
أفاد وزير الصحة الدكتور نذير عبيدات في محاضرة له في مؤسسة شومان ان دراسات دم عشوائية للوزارة، بينت إصابة 10 % من الأردنيين بكوفيد19 مع حلول شهر تشرين الاول (ديسمبر) العام الماضي، وارتفاعا من 3 بالألف في آذار (مارس) من العام نفسه.
وارتفع الرقم الى 30 % في كانون الاول (ديسمبر) بحسب دراسات دم أحدث، افصح عنها الدكتور عزمي محافظة في محاضرة لنادي خريجي الجامعة الأميركية، وارتفع الرقم الى 35 % في بداية كانون الثاني العام الحالي، بحسب تصريحات لعبيدات في لقاء مع صحفيين وقادة رأي، مع وفيات تجاوزت 4400 في الأردن.
يمكن ان نستنتج بان نسبة الوفيات في الأردن حوالي 1/ 1000 إصابة فعلية، أي ان نسبة وفيات كوفيد19 في الأردن تبلغ اقل من ربع الوفيات في اميركا، وهو ما يتلاءم مع حقيقة ان نسبة كبار السن فوق الـ65 في الأردن حوالي ربع النسبة هناك. مع تركزها عندنا في فئة (65 الى 80)، بينما هنالك اعداد عالية نسبيا لمن تجاوز الثمانين في اميركا، إذ يبلغ عدد سكان الولايات المتحدة 330 مليون نسمة، يشكل كبار السن فوق الـ65 عاما 16.5 % من مجمل السكان.
في الأردن يبلغ عدد السكان 10 ملايين ونصف المليون، ويشكل كبار السن فوق الـ65 عاما 4 % من مجمل السكان. بحسب موقع www.populationpyramid.net.
هنا نؤكد ان جائحة فيروس كورونا خطرة حقا، وعلى عكس ما يقوله كثير من المشككين هي ليست كالإنفلونزا ابدا، مع التسليم بأن الأنفلونزا تقتل أيضا، بحسب دراسات مركز منع الامراض والسيطرة عليها الأميركي CDC، وهو المؤسسة الفيدرالية المسؤولة عن الاستجابة لكل الأوبئة والامراض في الولايات المتحدة.
لذا، فإن الانفلونزا قتلت 61 ألفا في موسم 2017 2018 و34 ألفا في موسم 2018 2019 و22 الفا في موسم 2019 2020.
قبل الجائحة في العامين 2018 و2019 اصابت الانفلونزا 36 مليون شخص في اميركا، وتسببت بوفاة 34 ألفا، أي بنسبة وفاه 1/ 1000 إصابة (مصدر1).
مركز CDC قدر كذلك عبء كوفيد19 على اميركا بين شباط (فبراير) العام الماضي ونهايته بان 83.1 مليون شخص في اميركا أصيب بكوفيد19، منهم 70.4 مليون ظهرت عليهم اعراض، فيما احتاج 4.1 مليون منهم عناية بالمستشفى.
يقول المركز إنه مع نهاية العام الماضي، فإن مقابل كل حالة مكتشفة كان هناك حوالي 4 حالات إصابة فعلية لم تكتشف او تشخص. (مصدر 2).
في اميركا، توفي حوالي 400 ألف مصاب بكوفيد19 العام الماضي، أي بنسبة وفاة لهذا الوباء بلغت في اميركا 5/ 1000 لكل إصابة فعلية.
ولكل من يشكك بخطورة الوباء الحالي عليه أن يلاحظ التالي: في اميركا خلال موسم 2018 2019، وقبل أي تباعد اجتماعي واي اغلاق، وفي ظل حياة طبيعية تماما، اصابت الأنفلونزا 36 مليونا، بينما أصاب الوباء 83 مليونا العام الماضي، برغم الاغلاقات العديدة وإجراءات التباعد الاجتماعي وانخفاض السفر وغيره.
والوفيات الناتجة عن كوفيد19 كانت عشرة اضعاف وفيات الانفلونزا، أي ان كورونا أكثر عدوى ونسبة وفياتها خمسة اضعاف نسبة وفيات الأنفلونزا في العام السابق، وهذا تأكد أيضا عبر أرقام الوفيات الزائدة عن المتوقع التي سجلت في العام نفسه.
ارقام CDC تظهر كذلك ان إصابات الأطفال تحت سن الـ17، بلغت 22 % من اجمالي الإصابات الفعلية، بينما شكلت فقط 3 % من اجمالي الحالات التي احتاجت الى عناية طبية في مستشفى.
فيما شكلت الإصابات بين الاعمار الأكبر من سن الـ50 نسبة 28 % من مجمل الإصابات، وشكلت 71 % من اجمالي الحالات التي احتاجت الى مستشفى، وتحديدا شكلت الإصابات بين الأكبر من الـ65 عاما 11 % و46 % من مجمل من احتاج الى مستشفى.
وتبين الأرقام أيضا، ان وفيات الفئة العمرية تحت الـ17 عاما، شكلت اقل من 1 بالألف من مجمل الوفيات، ما يعني ان نسبة الوفيات من كوفيد19 لمن هم تحت الـ17 عاما اقل من 2/ 100 ألف إصابة فعلية.
الأرقام ذاتها تبين ان الوفيات للأعمار فوق الـ65 عاما، شكلت 81 % من اجمالي الوفيات، أي ان نسبة الوفاة من كوفيد19 للفئة العمرية فوق الـ65 عاما تصل لنحو 3544 وفاة/ 100 ألف إصابة فعلية.
في الوقت الذي كنا نعلم فيه، ان احتمال الوفاة جراء الاصابة بكوفيد اللعين لدى كبار السن 1750 ضعف احتمال الوفاة لدى الأطفال، فماذا فعلنا في الأردن؟
أغلقنا المدارس منذ أيلول (سبتمبر)، لكننا نظمنا الانتخابات التي تستوجب اختلاط كبار السن المستمر داخل المقار الانتخابية لمدة شهرين، وأهملنا الإجراءات الاحترازية. والنتيجة ان وفيات الأردن الاجمالية في تشرين الاول (اكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر) وكانون الاول (ديسمبر) العام الماضي، بلغت 12160 وفاة مقابل 7303 وفاة في الفترة نفسها من العام 2019، أي بزيادة 4853 وفاة بنسبة 66 %.
وكانت زيادة الوفيات في الشهر الذي جرت فيه الانتخابات النيابية تشرين الثاني (نوفمبر) حدها ارتفعت الى 120 % مقارنة بالشهر نفسه في 2019.، بينما زادت كل وفيات العام الماضي عن سابقه 16 %، وباجمالي زيادة 4560. (مصدر الأرقام خبر في إذاعة هلا اخبار- 3).
في بداية الجائحة، خرجت الحكومة تبرر الاغلاق العام القاسي، بخوفها من نسبة وفاة للوباء تصل الى 2 % من كل الإصابات، بعد مرور عام على الوباء وما نعرفه عنه الآن لا بد من التعامل بواقعية جديدة، تأخذ في الحسبان الخصوصية الأردنية، لتتقرر سياسة وبائية تعتمد على الحقائق المعروفة الآن، فالإجراءات الاحترازية في بلد عدد كبار السن فيه 4 %، ستختلف حتما عن إجراءات لدول يشكل فيها كبار السن اكثر من ربع او ثلث السكان.
ولا بد هنا ان نطلب من المسؤولين التواضع والاعتراف بإخفاق بعض السياسات، وهنا يحضرني ان لجنة الأوبئة لم تنبهنا في خريف 2019 الى ازدياد حالات الوفاة، ولم تطلب أي إجراءات احترازية، ولم تشرح لنا الأسباب، وربما كانت بسبب موسم انفلونزا سيئ للغاية.
وصلت وفيات خريف 2019 الى حوالي نصف وفيات كوفيد19 العام الماضي، اذ بينت أرقام دائرة الاحوال المدنية ارتفاعا في وفيات 2019 مقارنة بـ2018 بنسبة 8 % تقريبا (2017 وفاة)، وتظهر ارقامها ان أشهر خريف 2019، شهدت ارتفاعا كبيرا في الوفيات بنسب 22 % و33 % و30 % على التوالي.
تظهر الأرقام أيضا ان أشهر خريف 2019 وصلت نسبة الوفاة الى 38 % من العام نفسه، مقابل 34 % للأشهر نفسها في 2018، أي زيادة الوفيات 1856 وفاة.
وقد تكون المقترحات التالية مفيدة في السياق الأردني:
– توفير المطاعيم وبأسرع وقت لأكبر عدد ممكن من كبار السن فوق الـ60 عاما.
– توعية كبار السن بضرورة التباعد الاجتماعي الحقيقي، بما يشمل عدم دخول الأماكن العامة المغلقة، وأيضا مراعاة عدم حضن او تقبيل احفادهم واولادهم، والالتزام بالكمامة والتهوية المستمرة داخل منازلهم.
– في أماكن الخطورة النسبية كالمكاتب الحكومية المكتظة وقاعات النوادي الرياضية والمسابح المغلقة، منع دخول من هو أكبر من 60 عاما مثلا، الا بشهادة مطعوم.
– السماح للموظفين كبار السن بالعمل عن بعد وضمان وظيفتهم.
– في المدارس، إبقاء الخيار لمن يرغب من الأهالي للتعليم عن بعد لكن العودة للتعليم الوجاهي بعد ان ظهر بشكل جلي، الاخطر على صغار السن الاصحاء، وربما هنا يجب التركيز على ان يقوم بالتعليم الوجاهي، المعلمون والمعلمات تحت سن الـ45 مثلا والسماح لكبار السن من الإداريين والمعلمين بالعمل عن بعد، فيما يخص الأطفال ذوي المناعة المنخفضة او الامراض المزمنة، يكون التعليم عن بعد الزاميا.
– في الوقت ذاته، فتح كافة القطاعات الاقتصادية بضوابط واضحة وحملات توعية، تركز على أهمية التباعد والتهوية الحقيقية، وكل الإجراءات الاحترازية اللازمة.
– ربط أي اغلاق واسع حصرا، بقدرة الجهاز الصحي على متابعة الإصابات بنجاعة.